في إيجابيّة التسريب

بقلم/الياس الزغبي

 

تكاد تهمة التسريب تكون الوحيدة التي عثر عليها "حزب الله" وفريقه، ومعهما السفير السوري، ثمّ اللاريجاني الايراني، فالسيّد حسن نصرالله نفسه في مرافعته الأخيرة، لتبرير رفضهم القرار الاتهامي.

 

وقد جاءهم السند الاعلامي سريعا من اسرائيل التي فاخر بعض محلّليها بأنّها كانت السبّاقة في تسريب أسماء المتّهمين، فبادر الحزب والسفير والمرجع الايراني وملحقاتهم الى تلقّف الكلام الاسرائيلي وتوظيفه في الحملة على القرار والمحكمة وكلّ ما يمتّ اليهما بصلة، و"اثبات" تسييسهما وانتسابهما الى "المشروع" الأميركي – الاسرائيلي.

 

الواضح أنّه لم يعد لدى أولياء المتّهمين الأربعة بالجريمة (وهم الدفعة الأُولى على الحساب ومجرّد رأس الخيط)، الاّ هذه الحجّة كوسيلة ردّ وحماية ودفاع، بعد سقوط وسيلتين سابقتين: ما قدّمه نصرالله من "قرائن ومعطيات" وخرائط جوّيّة في خطابات سابقة، و"نظريّة شهود الزور" التي نبتت وذبلت مثل عشب السطوح. ولم يُضف نصرالله شيئا جديدا في الجدل والعروض التلفزيونيّة التي قدّمها أمس، وكلّها تدور على نفسها لجذب التحقيق الى غير مداره الصحيح.

 

لكنّ حجّة التسريب تسقط بدورها بعدما ثبت أنّ معظم المعلومات المسرّبة كانت صحيحة، وشارك في التسريب من يشكون منه اليوم. سرّبوها كي يطعنوا فيها ضمن خطّة مدروسة لنسف صدقيّتها. وفعلُ التسريب، على سوئه، لم يبدّل كثيرا في الوقائع والأدلّة والأسماء. وهذا، في حدّ ذاته، دليل قاطع على قوّتها واستمراريّتها وصمودها، برغم كلّ محاولات التشكيك والتشويه التي طاولتها منذ 3 سنوات.

 

كثيرة هي الحقائق المحكومة بالكتمان والسريّة تتسرّب الى العلن قبل أوانها، لكنّ التسريب لا يغيّر في جوهرها وثبوتها، فالحقيقة كيان قائم في ذاته ولا يؤثّر فيها خطأ هنا أو تشويش هناك.

 

وكيف يُسمّى نشر صحيفة معلومات معيّنة تسريبا مشبوها وغير مشروع، ويكون تزويد مرجع ما بها مشروعا ومقبولا؟ أليس هذا ما حصل مع نصرالله حين عقد 3 مؤتمرات صحافيّة لاستباق القرار الاتّهامي بعد اطّلاعه على معطياته؟ وهل التسريب مسموح له وممنوع على سواه! هي المعطيات والأدلّة والأسماء نفسها في الحالتين، وثابتة عنده وعند سواه، ولا يغيّر ذلك في صحّتها. والاعلان غير الرسمي عنها لا يقلّل من صدق اعلانها رسميّا، فالنتيجة واحدة لأنّ الحقيقة واحدة.

 

واذا دقّقنا قليلا في مسألة التسريب لاكتشفنا جوانب ايجابيّة (طبعا لم يقصدها المسرّبون) بين سلبيّاتها الكثيرة، أهمّها اثنان:

 

- تنبّه "حزب الله" باكرا لمسار التحقيق، واتّخاذه كلّ الاحتياطات الممكنة، ومنها ما استجمعه أمينه العام من شروح وخرائط، وربّما تحييد الأشخاص المتّهمين وحمايتهم. اضافة الى وضع خطّة انقلابيّة استباقيّة، الأمر الذي قام به فعلا في الأمن والسياسة والاعلام، وتحديدا في الحكومة.

 

- امتصاص عنصر المفاجأة، بحيث أنّ التسريب وفّر نوعا من التحسّب النفسي وخفّف من وقع الصدمة. وهذا ما ظهر في هدوء الأرض وعقلانيّة ذوي الشهداء وفريق الحقيقة والعدالة. فلنتصوّر كيف كان يُمكن أن يكون الوضع لو جاء القرار صادما وصاعقا!

 

انّ تحويل التسريب الى حجّة للنيل من القرار الاتّهامي والمحكمة سيرتدّ سلبا على أهله، لأنّه صبّ في مصلحتهم بعدما شاركوا في صنعه، ومنحهم فرصة شحذ أسلحتهم وانتهت الفرصة الآن، وسقط فعلا كوسيلة دفاع أو هجوم، وهو مجرّد وسيلة هزيلة وهوائيّة لا قدرة لها على المسّ بمسار العدالة، بل تزيده وضوحا وحزما، وليس من شأنها كذلك اثارة الفتنة طالما أنّ أولياء الدمّ ليسوا في واردها.

 

لقد انتهت، في الواقع، لعبة الاستقواء بصياغات النصوص:

 

فلا "حزب الله" يستطيع التسلّح بعبارة "مبدئيّا" في نصّ البيان الوزاري.

 

ولا نجيب ميقاتي يستطيع الاحتماء وراء كلمة "متابعة" مسار المحكمة.

 

ولا وليد جنبلاط قادر على بيع العدالة بالاستقرار.

 

ولبنان، للمرّة الأولى في تاريخه الحديث، يحقّق نقلة نوعيّة ومصيريّة من التوقّعات الى الواقعات.

 

اجتاز مرحلة البراعات اللفظيّة للتهرّب من المسؤوليّة، وبات وجها لوجه مع الحقائق العلميّة، ومع تسمية الأمور بأسمائها.

 

فماذا تُراهم فاعلون، أساطين الصياغات الخاوية؟

 

والى أين يهرب أصحاب الهويّات القاتلة؟

 

الاحد 3 تموز 2011