شرور الحقيقة المكبوتة

بقلم/الياس الزغبي

 

أغرب ما في المواقف المساقة ضد لجنة التحقيق الدولية والمحكمة، أنهما ستؤدّيان الى اشعال الفتنة في لبنان. المقصود، طبعا، الفتنة الشيعية – السنّية. والمقصود أيضا أنّ أي اتهام ل" حزب الله" أو لعناصر منه بالتورّط في جريمة اغتيال رفيق الحريري والآخرين، كاف لتحريك هذه الفتنة، وكأنّها في حالة كمون وانتظار، منذ 7 أيا ، ولا تحتاج الاّ الى عود الثقاب، أو صاعق التفجير، المسمّى اتهاما.

هناك، اذا، عفاريت نائمة تنتظر من يوقظها، من يخرجها من غفلتها، من يحرّك شهيتها ... وكأنّ كل الكلام على المصالحة والتوافق والوحدة الوطنية، بأدبياتها وحكومتها ولجانها وهيئة حوارها، قبض ريح، هدؤ خادع يسبق العاصفة ولكن، لا أحد من المهوّلين بالفتنة و"بالمؤامرة" الدولية، يشرح لنا الرابط بين الاتهام المفترض (غير الموجود حتى الآن كما قال السيّد حسن نصرالله)، وهذه الفتنة "الفاتنة"، المتربّصة، الباحثة عن سبب، عن منفذ، عن شعاع حار كي تلتهب أسلاكها وتنفجر!

في تاريخ الأمم الحية، تشكّل الحقيقة رشدا لقادتها وهديا لأهلها. في كتب الروحانيات والأخلاقيات أن "الحق يحرّر"، والصدق نبراس الحياة، والحقيقة سلّم الارتقاء، والأمانة ميزان العلاقات، والصراحة بلسم الجروح 

فلا وجوب للخوف من الحقيقة. قد تحدث اهتزازا أو صدمة أو ارتباكا أو ذهولا حين تخرج الى العلن. ولكن، سرعان ما يهدأ الارتجاج ويروق الصخب وتخفّ الصدمة ويستكين النوّ.

ولا خوف من العدالة والعقاب، "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".

ولا شيء يضمن الاستقرار أكثر من الحقيقة المقرونة بالعدالة.

لا يكفي أن يتم اعلان الحقيقة، فقط. فهي تظلّ اذذاك تحفر في الضمائر والوجدانات اذا لم تترجمها العدالة الى فعل عقاب وثواب.

لنتخيّل أن المحكمة أحجمت عن اعلان الحقيقة خوفا من الفتنة في لبنان، ونزولا عند تمنّيات وتدخّلات. انه التسييس الأخطر. فهل هناك أخطر من بقاء هذه الحقيقة سجينة العقول والقلوب، تفعل فعلها المدمّر في سرائر الناس وهمساتهم وهمهماتهم، الى أن يتفاعل تراكمها وتتضاعف احتقاناتها، فتطفر الى السطح غضبا ونقمة... وفتنة!

انّ قمع الحقائق لأي سبب كان، أشدّ هولا من اعلانها: قمعها يطوّرها الى مآزق، واعلانها يدوّرها الى اطار المحاسبة والجزاء، فالشفاء، فالى العفو والغفران.

هذا لا يعني أنّ الاتهام أكيد وثابت على "حزب الله"، وأنّ القرار الاتهامي والمحكمة متّجهان حكما في هذا الاتجاه (وما أروع أن ينتهي التحقيق الى براءته!). لكنّ الافتراض الأسوأ يقضي بقبول المعادلة الآتية:

اتّهام واضح معزّز بالأدلّة، أفضل من كتمان مريب مفخّخ بالشكوك.

الحالة الأولى مفتوحة على المعالجة وحصر الأضرار والآثار، والثانية مقفلة على التوجّس والتربّص والحقد.

وما على المشكّكين في التحقيق والمحكمة، الضاربين حولهما الشروط والفروض، الاّ أن يوازنوا بين الحالتين، ويروا ما ينفع منع الفتنة، ويخدم مستقبل الحياة المشتركة والوحدة الوطنية، ويضبط امتداد النار الى المنطقة، بدلا من حماية رأس متورّط أو أكثر، في الافتراض الأسوأ.

فالخيار هو بين تحمّل مسؤولية الخطأ أو الخطيئة (اذا وجدت) بما يفتح أفق الحل والحياة، وبين التهرّب من عين قايين بما يوصل الى الهلاك.

الحقيقة الصريحة تجرح، لا تقتل.

الحقيقة المكبوتة موبوءة، تضجّ بكل الشرور  ِ

2 – 4 – 2010