مقابلة من جريدة المستقبل مع المحلل والكاتب المحامي الياس الزغبي

المستقبل - السبت 17 كانون الثاني 2009 - أيمن شروف

الزغبي للمستقبل:

*المسيحيين يحاسبون قياداتهم، ومحاسبة العماد عون ستكون خلال فترة وجيزة

*الدائرتين اللتين ستشهدان معركتين ضاريتين، هما بعبدا وجزين

*المعركة الانتخابية في زحلة محسومة منذ اليوم لمصلحة 14 آذار

*عون قدم تاريخ نضال مسيحي من "لحم ودم"، على طبق من فضة الى الرئيس السوري بشار الأسد

*عون يطلق على المرشحين الوسطيين صفات خطرة وكأنه يستبيح دمهم على الأقل بالمعنى السياسي

*عون هو الوحيد الذي يحارب مرشحي الوسط

*إذا كانت الوسطية، حقاً مشروعاً بالمفهوم الديموقراطي للكلمة، فلماذا هذه الهجمة على المرشحين المستقلين

*نوبات متتالية تستهدف الرئاسة الأولى

*رُهاب الوسطية" مؤشر للتغيير المنتظر على الساحة المسيحية

*علامات الذعر ظهرت اخيراً عندما تصاعد الحديث عن مرشحين مستقلين ذوي ثقل سياسي

*ما أزعج عون لعلمه المسبق أن حصة الرئيس سليمان في الانتحابات لن تكون إلا على حسابه

*عون يقيس الأمور على نفسه، فهو الحق والخير والجمال والصراط المستقيم

*عون يندرج في غوغائية التشويش السياسي وتزوير الديموقراطية تماماً على غرار ما يفعل تجاه القضايا الكبرى في لبنان والمنطقة

*الكتلة وسطية ستشكل عاملا مساعدا في تكريس التراجع الفادح في شعبية عون خصوصاً في المناطق التي أهدته تكتل التغيير والإصلاح

*يقول عون: "ان من يكون معي فهو الحكيم العليم ومن يكون ضدي أو حتى على مسافة مني فلا محل له من الإعراب".

 

في حمأة الأوضاع المأسوية التي تعيشها غزة ومعها المنطقة عموماً، بدأت علامات القلق لدى بعض اللبنانيين تتجسد من خلال تصريحاتهم. هذا القلق ليس من منطلق الحرص على الوطن أو على المواطن، بل هو شعور بالخوف لقرب استحقاق داخلي حاسم، هو الانتخابات النيابية في أيار المقبل. علامات الذعر هذه ظهرت اخيراً عندما تصاعد الحديث عن مرشحين مستقلين "ذوي ثقل سياسي" لديهم النية في الترشح والوصول الى قبة البرلمان.

 

بعض الأسماء التي ظهر إلى العلن "ثقلها السياسي والشعبي"، استدعت من بعض الحريصين على "الكراسي"، تنسيق حملة مبرمجة تستهدف كل من يدعي الوسطية ويريد العمل من أجل الوطن، لا لهذا الفريق أو ذاك، هذه الحملة قادها الجنرال ميشال عون منذ فترة مع بدء الحديث عن نية رئيس الجمهورية في أن يكون له كتلة "وازنة" في المجلس النيابي، ما أزعج جنرال الرابية لعلمه المسبق أن حصة الرئيس لن تكون إلا على حسابه.

 

لم يتبن الرئيس ميشال سليمان هذا الحديث. ارتاح الجنرال قليلاً، قبل أن يتفاجأ بنية البعض في الترشح من خارج "رضى" العماد عون، وفي الوقت نفسه لم ينكروا على الأقل تقديرهم لسياسة سليمان الحكيمة والمتوازنة، فوصفهم بالمرشحين الذين لا طعم لهم ولا لون، في سياق محاولة إضعاف هؤلاء سياسياً وانتخابياً، إذا لم نقل محاولة ترهيبهم، وهو بهذا التوصيف تحديداً يلغي تاريخاً سياسياً يمثله بعض الذين أعلنوا أو يعتزمون خوض الانتخابات، ويحاول اختصار عائلات عريقة لها وزنها تاريخياً بالقول "ان من يكون معي فهو الحكيم العليم ومن يكون ضدي أو حتى على مسافة مني فلا محل له من الإعراب، لا سياسياً ولا انتخابياً ولا حتى اجتماعياً". وهذا لا يصدر ولا يكون إلا من موقع الذي يرى في المستقلين مؤشراً الى سقوطه، والى التغيير المقبل.

 

هذه الحملة العونية، تجسد مدى الحرج الذي يعيشه هؤلاء، فهم يدركون أن ما يحكى عن كتلة وسطية ستشكل عاملا مساعدا في تكريس التراجع الفادح في شعبية الجنرال وخصوصاً في المناطق التي أهدته تكتل "التغيير والإصلاح"، والتي لم تستطع حتى اليوم ان "تستطعم" بالاصلاح ولا أن تتلون بالتغيير، انطلاقاً من كسروان التي يصفها الجنرال بعاصمة الموارنة، التي وإن استطاع في السابق أن يحافظ له فيها على شعبية مقبولة من خلال خطابه الطائفي معظم الأحيان، الا أنه لم يعد اليوم قادراً على هذا بعدما قدم تاريخ نضال مسيحي من "لحم ودم"، على طبق من فضة الى الرئيس السوري بشار الأسد.

 

إذا سلمنا جدلاً أن البعض حريص على أحادية التمثيل، انطلاقاً من تحالفاته مع الأحزاب والأنظمة الشمولية، فرُبَ سائل عن سبب هذه الغوغائية في التعاطي مع من يريد أن يمارس حقه الطبيعي في أن يكون مرشحاً للانتخابات النيابية ومعه من يريد أن يحاسب ويقترع؟ وكيف يستطيع من يدعي الحرص على الديموقراطية أن يضرب بعرض الحائط أبسط مظاهر الديموقراطية القديمة ـ الحديثة المتجسدة في الانتخابات وأهمها؟ ولماذا لا يرضى بأن يكون للبعض طموح نيابي ويجابههم بمشروع صريح يقدمه الى الرأي العام من دون أن يقدم التأويلات والتحليلات التي تهدف أولاً وأخيراً الى تضليل الرأي العام لا أكثر ولا أقل؟.

 

لا شروط أمام الحرية

يبدأ المحلل السياسي الياس الزغبي بالحديث عن الوسطية والمرشحين الوسطيين أو المستقلين ليؤكد أن "مبدأ الحرية في الديموقراطيات يتجسد خير تجسيد في الانتخابات التي هي التعبير الأصدق عن حرية الرأي"، وينطلق من هذه الثابتة ليقول انه "لا يمكن وضع ضوابط وشروط أمام هذه الحرية، فمن البديهي أن تكون هناك حريتان متلازمتان هما: حرية الترشح وحرية الإقتراع، أي حرية المواطن وحرية من يمثله، وإذا كان لا يمكن تجزئة هذه الحرية، فمن الطبيعي والبديهي أن يختار المرشح الموقع السياسي الذي يريد، ولا يمكن تعليبه سلفاً في إطار جامد".

 

بنظر الزغبي، فان للمرشح الحق الكامل في أن يكون في هذا الجانب أو ذاك أو في الوسط، وبحسب العرف الديموقراطي العريق في الدول المتقدمة، هناك مراتب عدة في المواقع السياسية، تتوزع بين اليمين واليسار والوسط، وهناك تفرعات داخلها فنسمع بيمين الوسط ويسار الوسط، وأحزاب الخضر والبيئة. وبالتقديم المنطقي لهذه الديموقراطية التي تحدث عنها، يصل إلى استنتاج يشكل ثابتا أساسا في الحياة السياسية مفاده: "كل محاولة لاختزال هذه المروحة الديموقراطية تعني اختزال الديموقراطية والحرية، وكل من يدعو إلى نبذ مفهوم الوسط في الديموقراطية، يكون يدعو في الواقع إلى نبذ الديموقراطية نفسها تماماً كمن يقول أن لا وجود لليسار أو اليمين، وهذا مفهوم هجين وغريب عن الديموقراطية يعود بنا إلى عصور الأحاديات المطلقة".

 

وإذا كانت الوسطية، حقاً مشروعاً بالمفهوم الديموقراطي للكلمة، فلماذا هذه الهجمة على المرشحين المستقلين؟، يجيب الزغبي: "كل من يدعو إلى إلغاء الوسطية يخفي حقيقة موقفه وأهدافه، وهذه المسألة أصبحت واضحة بأن العماد ميشال عون هو الوحيد الذي يحارب مرشحي الوسط تحت حجة أن لا موقف لهم بين الخير والشر أو بين الفساد والإصلاح أو بين السيادة والتبعية".

 

غوغائية التشويش والتزوير

وإذ يؤكد الزغبي "أن هذا الطرح بحد ذاته فاسد، لأن الكتلة الوسطية لا تعني في السياسة والديموقراطية التباس موقفها تجاه المبادئ والأساسيات، فالنائب الذي يصنف نفسه في الوسط ليس صاحب موقف ملتبس من مسألة السيادة والحرية والحكم الصالح، بل هو في وسط سياسي مترجح بين قطبين سياسيين أو تيارين سياسيين وليس مبدأين سياسيين، أي بين 14 و8 آذار وليس بين الاستقلال ونقيضه"، يشير الى ان "العماد عون يندرج في غوغائية التشويش السياسي وتزوير الديموقراطية تماماً على غرار ما يفعل تجاه القضايا الكبرى في لبنان والمنطقة، فهو مثلما يشوه العلاقة بين لبنان وسوريا، ويحيّد لبنان عسكرياً عن الصراعات، ويشوه مفهوم المقاومة ويجعلها مباحة على مستوى التسلح والفوضى الشعبية، هو يفعل ذلك على مستوى التصنيف الديموقراطي في الانتخابات".

هذه الحملة التي يقودها جنرال الرابية على كل مرشح مستقل ودوره في محاولة ضرب أسس الديموقراطية، بنظر الزغبي "تأكيد على أنه يقوم بدور خطير يؤسس لضرب أساس القيم السياسية والوطنية والأخلاقية وتدميرها، خصوصاً على مستوى جيل الشباب، بحيث يستغل طيبتهم ورغبة التغيير لديهم كي يدفعهم إلى اكتساب مفاهيم وعادات ومواقف خطيرة على مستقبلهم وعلى المجتمع".

 

هذا الموقف المهين بحق المرشحين المستقلين، والذي يؤكده عون يوماً بعد يوم، يؤدي بحسب الزغبي إلى أمرين، "الأول: موقف عون بحد ذاته يشجع الكثيرين من القريبين منه على أخذ مسافة من سياسته الغريبة والوقوف في موقع الوسط. والثاني: بهذا التصنيف الذي يلحّ عليه مرة بعد مرة، يحرض على هؤلاء ويصنفهم وكأنهم في حالة شذوذ تستحق الإدانة والنبذ وحتى الإيذاء وربما التصفية". ويضيف: "إنه يطلق عليهم صفات خطرة وكأنه يستبيح دمهم على الأقل بالمعنى السياسي، أي أنه يحاول أن يمارس فعل الإعدام السياسي ضد الوسطيين ويدفع الأمور نحو الاستقطاب الثنائي الحاد". ويلفت إلى أنه "في أحلك مراحل الثنائيات السياسية في لبنان، كان هناك ما يمكن تسميته بالحالة الوسطى، أو العروة الوثقى التي تربط جناحي لبنان في مساحة مشتركة تكون بمثابة منفذ أو معبر نحو الاستقرار، تماماً كما حصل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عندما شكلت وسطية سليمان حلاً للمأزق اللبناني".

 

مقعد كسروان في خطر

يقول الزغبي ان "جنرال الرابية يقيس الأمور على نفسه، فهو الحق والخير والجمال والصراط المستقيم، أما الآخرون سواء في الوسط أو في الموقع النقيض، فمصيرهم الجحيم". ويعتبر أنها "نظرية خطيرة في مطلع القرن الواحد والعشرين وبعد مرور ثلاثة آلاف عام على الديموقراطية الأثينية، التي أسست لكل الديموقراطيات الحديثة".

 

والتفسير المنطقي لحملة البعض على كل مرشح مستقل وخصوصاً في مناطق ذات أغلبية مسيحية، يرده الزغبي الى "أن العماد عون يتوجس شراً من كل ما يعترض طريقه، فهو مرشح شخصياً في كسروان، وهناك حالتان في تلك المنطقة، إذا التقتا يصبح مقعده في خطر. هاتان الحالتان هما القوى الشعبية ذات الأرجحية التمثيلية ومنها الحالة التي يشكلها نعمت جورج فرام ومنصور غانم البون، وعائلات عريقة أخرى، مع الحالة السيادية القديمة المتجددة والمتمثلة بأحزاب 14 آذار وتحديداً "القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"الكتلة الوطنية" و"الوطنيين الأحرار"".

 

ويتابع الزغبي تبرير القلق الذي يعاني منه "ملوك الإصلاح" عبر سرد واقع هذه القوى في الدوائر التي أمنت لها كتلة نيابية وازنة في البرلمان الحالي، فيشير إلى أن "الوضع أكثر خطراً على العماد عون في الدوائر المسيحية الأخرى، حيث تتآلف قوى وازنة تجعل من "التيار الوطني الحر" وحلفائه في الدرجة الثانية".

 

يبدأ بالحديث عن جبيل بالقول ان "تطبيق الحالة نفسها كما في كسروان يجعل أصوات "حزب الله" ذات الوزن غير حاسمة في النتائج"، ويكمل ليؤكد أن "المعركة في زحلة محسومة منذ اليوم لمصلحة 14 آذار وفق كل الاستطلاعلات والدراسات". أما في البترون والكورة وبشري فيرى "أن كفة السياديين راجحة في هذه الدوائر وهي تتجه إلى مزيد من التقدم خلال الأشهر الأربعة المقبلة"، مشيراً إلى أن "الدائرتين اللتين ستشهدان معركتين ضاريتين، هما بعبدا وجزين، حيث لـ"حزب الله" وحلفائه كتلتان راجحتان، ولكن مسار الأمور في هاتين الدائرتين يشير الى تنامي حالة الوعي السياسي خصوصاً لدى الناخبين المسيحيين، بما بات يشكل تهديداً جدياً لمصير لائحتي عون".

 

الناخب المسيحي سيحاسب

ولكن ما الذي يبرر الثقة المفرطة لدى البعض بتراجع شعبية الجنرال وترجمة هذا التحول في الرأي العام في صناديق الإقتراع في الانتخابات المقبلة؟ وعلى ماذا يستند؟ وكيف؟.

يرد الزغبي قائلاً: "لا شك أن هناك حالة مميزة شكلها العماد عون في السنوات الأربع الماضية وتمثلت بكتلة من 22 نائباً، ولكن هذه الحالة أثبتت أنها غير مستقرة في سنواتها الثلاث الأولى وتراجعها كثيراً في سنتها الرابعة، والسبب في ذلك يعود إلى المغامرات السياسية التي اقترفها العماد عون وتحديداً من خلال تحالفه مع النظام السوري بشكل غير مدروس ومحسوب، وتحالفه مع "حزب الله" والارتباطات العميقة التي نسجها مع ايران وسوريا وسياستهما الاقليمية التي تجعل من لبنان مجرد ورقة مساومة وساحة اختبار".

 

انطلاقاً من كل ما سبق، يخلص الزغبي الى القول: "إن المسيحيين يحاسبون قياداتهم، ولعل محاسبة العماد عون ستكون خلال فترة وجيزة يحاسب فيها الناس عادة زعماءهم. هذا الحساب لن يستغرق أكثر من أربع سنوات لأنه كان دائماً متلهفاً الى الوصول السريع واختصار الزمن ولو على حساب المبادئ، ولا بد للناخبين أن يختصروا الزمن أيضاً ويحاسبوا هذا المتلهف".