العجز والثأر

بقلم/الياس الزغبي

 

متابعة بسيطة للمشهد اللبناني تُظهر تداعي دفاعات الفريق المناوئ للمحكمة الدوليّة والقرار الاتّهامي: ملفّ "شهود الزور" يدور على نفسه، ويعلك فراغه.  الرهان على "مبادرة" سعوديّة – سوريّة لتطويق القرار، ينكفئ. "الوديعة" الفرنسيّة كلام في الرّيح. "البلاغ الرقم 1" لم يبقَ منه الاّ صدى صوت محمّد رعد، وأيّامه الثلاثة "الحاسمة".  دمشق تلتزم رفض فضّ النزاع بالقوّة، وترضخ، من باريس، للقرار "بأدلّة دامغة"، ومنطق "الحلّ في أيدي اللبنانيّين".  ايران تفتح مصالحها من السعوديّة ومصر، الى تركيّا ودول الـ"5 + واحد". وحلفاء "حزب الله" يلملمون شظايا صورتهم المحطّمة تحت أصابع الاتّهام، وهو في صمت مريب. ويخسرون حروبهم الدونكيشوتيّة أمام طواحين الهواء.

 

وماذا يبقى أمام "حزب الله" من وسائل وأوراق؟ حسنا فعل حين حاول التعامل مع المحكمة الدوليّة بعملتها: القانون. وبغض النظر عن هشاشة ما شرح وقدّم، مستنجدا بمن زاد في الهشاشة، والديماغوجيا "القانونيّة"، فانّه أسّس لمسار منطقي مع مراحل الاتّهام والمحاكمة، تماما كما فعلت سوريّا بلجوئها الى مكاتب دوليّة للمحاماة، وارتضت مسبقا ادانة أيّ سوري يثبت تورّطه، بدون أن تدّعي الطهرانيّة المطلقة والدرع الأخلاقيّة الفولاذيّة حول عناصرها.

 

ولكنّ الغريب في الأمر، أنّ من كلّفه "حزب الله" خوض غمار القانون والدستور في مواجهة المحكمة، رئيس كتلته النيابيّة، استعاد سريعا لغة الحرب والحسم، قافزا فوق كلّ الجهد "القانوني"، ومسترجعا طبعه القتالي بعد ساعات من تطبّعه السجالي، الحقوقي!

 

صحيح أنّ الطبع يغلب التطبّع، ومن اعتاد منطق القوّة لا يأنس كثيرا لقوّة المنطق، ومن استسهل استخدام السلاح والعنف يستصعب السماح واللطف. غير أنّ التهديد المقرون بمهلة قصيرة قبل الحسم المسلّح  يقضي على كلّ الجهد القانوني الذي بذله أهله، من جهة، ويجعلهم، من جهة ثانية، أمام مفترق خطير بين خسارتين: اذا نفّذوا تهديدهم لا يعرفون الى أين تأخذهم السبل، واذا تراجعوا سقطت الهالة "والعصمة"، ولا يمكن تصوّر مدى التراجع.

 

لا نعرف من نصح صاحب التهديد بالشيء وعكسه، بالقانون ونقيضه، ومن وضع على لسانه هذه المهلة القاتلة. واذا كانت قيادة "حزب الله" أوكلت اليه هذه المهمّة المزدوجة والصعبة، فماذا تركت للسيّد حسن نصرالله في كلامه الموعود بعد أيّام، وبعد انقضاء المهلة المقرّرة؟ أم ترانا ندخل في حالة طارئة تجعل خطابه بدون جدوى، فيخرج علينا بكلام آخر، بعد الطوفان لا قبله!

 

واذا صحّ التهديد وتمّ تنفيذه، ولا دلائل على الصحّة الاّ الهوس، فسيكون مجرّد انتقام عشوائي من الدولة ومؤسّساتها، ومن اللبنانيّين وأرواحهم وأرزاقهم، على غرار من ينتقم من الجمل لعجزه عن مواجهة الجمّال. الجمّال في لاهاي يا أهل الخير، ولكم في الجمل ما لأخوتكم وأبناء وطنكم. فلماذا تثأرون من دولتكم وأهلكم. وهل يغيب عنكم أنّ الثأر يستولد الثأر، في بيئة العشائر؟

 

السبت 11 كانون الأول 2010