نصيحة" نصرالله للمسيحيين.. استظلال بالطوائف لا الدولة

المستقبل - الثلاثاء 29 كانون الأول 2009 –

أيمن شروف

 

خرق الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله "الهدوء" الذي اتسمت به خطاباته طوال أيّام عاشوراء. فالإطلالة الأخيرة له في الذكرى نقضت ما سبقها بكل المقاييس، إذ إنه بادر للمرة الأولى إلى توجيه الرسائل إلى الوسط المسيحي محذراً إياه من "الانتحار" في حال لحق بـ"بعض" من الذين "لا يتفقون مع الحزب في الكثير من الأمور، بدءاً من السلاح وصولاً إلى سيادة الدولة والولاء لها.

 

هذه "النصائح" التي حرص نصر الله على توجيهها للمسيحيين والتي هي في خلفيتها موجهة لكل من "لا يؤيد سياسته"، أحدثت "صدمة" لا يستهان بها حتى في صفوف من يتحالف مع "حزب الله" منذ سنوات عدة، الذين لم يجدوا "صيغة واقعية" تفسر حديث نصر الله، بحسب ما يقول أوساط هذا الفريق الموالي لسياسة "حزب الله" والداعم له.

 

لهذا، فإن "المستغرب" في الوسط المسيحي توقيت هذا الطرح و"الطريقة" التي جاء بها، فمنهم من اعتبرها "محاولة لإخضاع الحصن الأخير المعارض لسياسة حزب الله"، ومنهم من رأى فيها "حالة العجز" التي وصل إليها الحزب مع حليفه الأول النائب ميشال عون، وبالتالي أراد نصر الله الاستعانة بمظلّة "أضمن" من مظلّة عون المسيحية "المنحسرة" في الأيام الأخيرة.

فوق كل هذا وذاك، يأتي الخطاب بعد تأكيد سيد بكركي مراراً وتكراراً أن "لا قيام للدولة في ظل وجود سلاح خارج عن إمرتها"، وهذا ما كان قد أشاع في وسط "حزب الله" جواً من الامتعاض، عبّر عنه بطريقة أو بأخرى، وكانت الرسالة الأخير لأمينه العام الأكثر تعبيراً، على اعتبار أن المسيحيين" ممن قصدهم السيد نصر الله هم أولاً وأخيراً يدعمون كل ما يقوم به البطريرك الماروني نصر الله صفير.

 

يبدأ المحلل السياسي الياس الزغبي تفنيده لخطاب نصر الله بالتعليق على مقارنة الأخير مسيحيي لبنان بمسيحيي العراق وأن الأميركيين لم يحموا المسيحيين هناك، فيعتبر أن "هذا التشبيه نافر لأنه أغفل كلياً من يقتل المسيحيين في العراق، وكأن المنطق الذي يسود ذهن السيد نصر الله هو منطق الحماية طالما أن القتل أمر قائم وماثل".

ويتابع الزغبي ليقول: "السيد نصر الله يطرح نفسه بصورة غير مباشرة سيداً للمبدأ أو المنطق نفسه، ففي كلامه هذا تضمين لفكرة القتل والحماية، مدعياً أنه يضمن بصورة أو بأخرى حماية المسيحيين في لبنان أفضل من الضمانة الأميركية، وبالتالي هو ينطلق من قاعدة خطيرة هي أن المسيحيين معرضون دائماً للعنف والقتل والإبادة، وأنهم بحاجة إلى حماية قوي ما، وهذا في الواقع منطق الغلبة والإستلحاق، أي أنه يقول اتبعوني والتزموا سلاحي واطلبوا حمايتي كي تسلموا، وهذا منطق خطير بين شركاء الوطن الواحد، حين يشبّه فريق نفسه بالغريب ويقارن حمايته بحماية الأميركيين".

 

ويرى عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار أن "السيد حسن يوغل في شرذمة صفوف المسيحيين حين يتحدث عن "بعضهم"، ولكن الحقيقة أنه مصاب بالخيبة مما كان يعتقده أن حليفه المسيحي المتمثل بالعماد ميشال عون، يمثل أكثر من 70% من المسيحيين، حينها لم يكن نصرالله يتحدث بهذه الصورة، أي في الأربع سنوات الماضية لأنه كان "مطمئناً" إلى الأكثرية المتحالفة معه، لكنه صدم بنتائج الانتخابات الأخيرة، والانتخابات الجامعية والنقابية، وتبين له أن ما كان يراهن عليه لم يكن سوى حالة عابرة لا تملك حقيقة التوجه المسيحي اللبناني التاريخي".

 

وفي نظر الزغبي أن "نصر الله ينظر إلى نفسه نظرة المنتصر الأكبر وهو يعتقد أنه أسقط كل الدفاعات السياسية والطائفية، فبدأ بالعونيين بإطلاق المواعيد وتابع مع الدروز بعملية التحييد ووصل إلى السنة بالتهديد واعتقد أنه لم يبق أمامه إلا خط الدفاع الأخير الذي يمثله مسيحيو 14 آذار تحت راية ملهمهم التاريخي البطريرك الماروني مار نصرالله صفير، فكان لا بد له من الانقضاض على الحصن اللبناني الأخير من خلال التهديد المباشر، لأن التهديد حين يرتدي ثوب النصيحة يصبح كالجريمة التي تتخذ اسم القتل الرحيم".

لكن مصادر مسيحية أكثرية، التي لم تغفل امتعاضها و"نقزتها" من كلام الأمين العام، دعت نصر الله إلى مراجعة دقيقة لما قاله وللخلفيات التي دفعته إلى الحديث عن المسيحيين بهذه الطريقة، مشيرة إلى أن "الفرصة لا تزال سانحة لكي يبدل البعض نظرتهم إلى الطرف الآخر، فكيف يعقل أن يقوم أحد ما بدعوة الآخرين إلى الاندماج في المجتمع اللبناني، بطريقة فيها الكثير من التهديد".

 

وتذهب المصادر نفسها إلى حد "المطالبة ليس فقط من نصر الله بل من كل الذين يتحدثون عن الدور المسيحي، بمراجعة تاريخ المسيحيين بكل تفاصيله، ليدركوا أنهم (أي المسيحيون) كانوا وما زالوا يؤمنون بأن هذا الوطن هو لجميع أبنائه وأن وطن الرسالة لا يقوم إلى بمشاركة الجميع، وهم ليسوا بحاجة إلى دروس من هنا أو هنا ليدركوا هذا الواقع الذي كرّسوه قبل أن يتجرأ غيرهم على الحديث به".

 

وبالعودة إلى ما قاله السيد نصر الله من أن المسيحيين ذاهبون للانتحار، يرى الزغبي أنه "كشف عن حقيقة تهديده للمسيحيين بإنذارهم أنهم ذاهبون إلى الانتحار أي القتل، ولكنه لم يقل من هي الجهة التي "ستنتحرهم".

 

هنا، يسأل الزغبي: لماذا هذا التوقيت، ولماذا المسيحيون؟

ويجيب: "لأنهم يشكلون حالة الممانعة الأخيرة لمشروعه السياسي والأمني الخطير، لكن عمق هذه الرسالة التي وجهها نصرالله إلى المسيحيين يشمل في الحقيقة كل لبناني ممانع سواء كان سنياً أو مسيحياً أو درزياً أو شيعياً، إنها رسالة موجهة إلى شريحة والمقصود بها شرائح أخرى، فـ"حزب الله" لم يعد يحتمل أي نقد أو نقاش أو كلام في سلاحه وفي تفرده وخطته للسيطرة على مفاصل الدولة، وكل من يعترض سيتعرض للتخوين نفسه والتخويف نفسه، ولم يكن هناك شك في أنه أراد إصابة أكثر من هدف برمية واحدة".

 

ولم يغفل الزغبي الإشارة إلى واقع "حزب الله" اليوم الذي "برغم كل المظاهر والتقديرات، يمرّ في مرحلة دقيقة جداً بفعل التحولات في السياسة الإقليمية والدولية، وأخطر ما في هذه التحولات بالنسبة إلى قراءته، التوجه السوري الجديد الذي لا يزال كثير الغموض في تحالف دمشق وطهران. لم يكن الحشد الشعبي الذي قدمه في يوم عاشوراء إلا نوعاً من الرد على هذا التوجس الداخلي، وأمام عينيه تمثل التجربة الإيرانية المتصاعدة وتحول الأزمة هناك نحو اتجاه أكثر تعقيداً وخطورة".

 

ولكن الأكثر دلالة في كلام الزغبي، قوله إنه "بعد أن انحسرت مظلة عون بفعل انحسار شعبيته، كان لا بد أمام "حزب الله" من التعويض في مكان آخر، لكنه في الواقع يبحث عن المظلة في المكان غير المناسب إذ إن هؤلاء المسيحيين الذين يتقرّب منهم تحت ستار تهديدهم لا يرفعون ولا يريدون سوى مظلّة واحدة هي الدولة".

 

ويخلص الزغبي بعد القراءة التي قدمها، للقول والتأكيد بأن "النتيجة المنطقية تقضي بأن يستظل "حزب الله" مظلة الدولة وليس مظلة الطوائف وهنا يكمن الحل الفعلي لمأزقه السياسي، وعبثاً يبحث عن الأمان والاستقرار لدى الطوائف بتخويفها واستلحاقها، فالدولة يجب أن تكون المرجعية في كل شيء خصوصاً في الأمن وليس فقط في الخدمات، وإلا ستبقى المربعات الخاضعة لهيمنة الحزب عرضة للاهتزازات".