دروس التحالفات المسيحية

بقلم/الياس الزغبي

 

تجارب السنوات الأربع الأخيرة كافية لمعاينة النتائج واستنباط الدروس ووضع الخلاصات للتحالفات التي عقدتها القوى المسيحية بجناحيها المتعاكسين.

 

جناح 14 اذار أرسى حلفاً عميقاً مع المسلمين السنّة بقيادة طليعهم "تيّار المستقبل" الرافع بعناد صارم عنوان "لبنان أولا"، وجناح 8 اذار أبرم تحالفا مع المسلمين الشيعة تحت أحادية

"حزب الله" بعد التحاق الرئيس نبيه برّي به، طوعا أو بالاكراه.

 

وبينما جاهر وفاخر مسيحيّو الجناح الأول بالتزام حلفائهم أولويات السيادة والاستقلال والحرية والعدالة وحصرية الدولة والعبور الى بنائها، ظلّ أهل الجناح الثاني في حالة خجل مديد مما أقدموا عليه، وأصرّوا زمناً طويلاً على القول ان ما فعلوه كان مجرّد "تفاهم" وليس تحالفا، الى أن انكشف البعد الاقليمي الحقيقي ل "ورقتهم" وخطورة الالتزامات تجاه الأجندا الايرانية السورية، فتحوّل الخجل الى عكسه، و ... "أنا الغريق وما خوفي من البلل"! أو "قبضنا الثمن... والقافلة تسير"!

 

الحقيقة أن المعضلة تكمن هنا : في الثمن.

أيّ ثمن قبضه نصف المسيحيين (ثلاثة أرباعهم في حينه) من تحالفهم مع "حزب الله"؟

 

هل في السيادة والحرية والاستقلال، أم في بناء الدولة وحصرية مرجعيتها في السلم والحرب، أم في الحقوق والصلاحيات، أم في المناصفة (قطاع مجلس النواب مثالا، والمؤسسات الاعلامية والخدماتية)، أم في استقرار المناطق المتحاذية من الكرك الى عين الرمانة وجرد جبيل، أم في عودة المبعدين من الجنوب وملف المفقودين، أم في مراعاة الهواجس السياسية والديمغرافية، أم في أمان أهل الذمّة تحت راية  هم الغالبون"، أم في الحياة المشتركة المفتوحة على قيم العصر وشرائع الامم المتحدة؟

 

وقبل أيام كانت ثالثة الاثافي: تجاهلوا مطلب المسيحيين التاريخي المزمن في حق الانتخاب للمغتربين واستعادتهم الجنسية اللبنانية، تحت غبار تخفيض سن الاقتراع، وتركوا "حلفاءهم" يتخبّطون في اضطرارهم للسير في الاجماع المسيحي باحثين عن التبرير الذي وجدوه أخيرا في "التثقيف" واتاحة المحاضرات السياسية في الجامعات! أما الذي لا يدخل الجامعة فمحروم من هذا الحق، على غرار "الابداع  الآخر: الجميلات فقط يصوّتن.

 

وكأنّ صدمة التجاهل لا تكفي، فعزّزها حلفاء "التفاهم" باصرارهم المريب على الغاء الطائفية السياسية، وحدها من دون أي طائفية أخرى، وقبل اصلاح أي خلل آخر، وقبل تقديم أي نموذج عملي عن "لا طائفيتهم".

 

أيّ نوع من الحلفاء هم هؤلاء؟ أشبعوا شركاءهم مديحاً وأتخموهم ألقاباً وشمائل، ودأبوا سنوات على الغرف من رصيدهم والأكل من معجنهم ومن لحمهم الحي، متوهّمين أنّ اغداق العطايا الشخصية يلجم حقوق الناس ويكمّ نداءاتهم.

 

اليوم، انزاح الستار وظهرت حقيقة "صفقة" التحالف: نريد منكم تأييداً مطلقاً لمشروعنا وسلاحنا وخذوا منّا دعماً لطموحكم في ثنائية السلطة والمال. استقرّت هذه المعادلة الفوقية سنوات أربعاً بلا عوائق جدّية، وحين اصطدمت مطلع الاسبوع الجاري باختبار سياسي فعلي، ارتبك الحليفان الصنديدان، فتمسّك الأول بمشروعه المحسوم، والتفت الثاني الى "شعبيته" المتهاوية، وكان الفراق الأول بين الحبيبين.

 

ولا بدّ من استنفار راعي "المعادلة" كي يعيد الوئام الى الحلف المتصدّع، ولن يعجز، لأن حساب الكبار أقوى من حساب الأنصار، لكنّ "الشعبية" تمهل ولا تهمل.

في المقلب الآخر، حلف 14 اذار مطمئنّ الى أولوياته، ويحق لمسيحييه الاعتزاز بصدق شركائهم وحديثهم الثابت عن التجذّر المسيحي و "المناصفة الى الأبد"، وربط الاصلاحات في بوتقة وطنية تحتضن الحساسيات والهموم.

 

ليت المسيحيين يسمعون ويلمسون من الشريحة التي يقودها "حزب الله"، ما سمعوا ولمسوا، قولاً وفعلاً، من الشريحة التي يقودها "تيّار المستقبل"، لكان لبنان في ألف خير.

هكذا تكون الشراكة الحقيقية، أمّا ما سوى ذلك فيذهب جفاء.

 

بيروت قي 24 شباط2010