زجّ وتشويه

بقلم/الياس الزغبي

 

لم تعد القضيّة اللبنانيّة غامضة وافتراضيّة:

 

هناك مؤامرة كونيّة على الضاحية والرابية، بالسياسة والمال والدسّ والتزوير والتشويه والتضليل.

 

وحدهما نصرالله وعون يحملان مفاتيح الحقّ والخير والجمال، وما سوى ذلك فـ"رجس من عمل الشيطان"!

 

الأوّل يقود حزبا من قماشة الأولياء والقدّيسين، محازبوه المتّهَمون أيقونات ترشح طهرا وعفّة.

 

والثاني مبعوث خلاصي لنظام بعث الكهرباء، وبعث الأسد.

 

"حزب الله" يستهجن الزجّ باسمه في كلّ حدث أو مشكلة أو تفجير أو أزمة، وهو براء منها، وهمّه ليس من هذا العالم، فهو "للممانعة والمقاومة" فقط، ولا يتلهّى بالصغائر التي يلصقونها به زورا وحقدا:

 

- اذا تعرّض أحد لقوّات الـ"يونيفل" في الجنوب، فهم "الأهالي"، واذا جرى تفجير مواكبها فالمفجّرون هم "الأصوليّون المتطرّفون" على أبواب صيدا.

 

- اذا تمّ قضم مساحات واسعة من أملاك الكنيسة والأملاك الخاصّة في أعالي جبيل وعقارات الحدث وجزّين، فهم "الأهالي" أيضا، وما وجود مسؤوليه في الاجتماعات سوى تعبير عن حسن نيّة  للمساعدة.

 

- اذا صدر قرار اتّهامي دولي ضدّ 4 من كوادره، وربّما أكثر، يرفع عقيرته باتّهام العالم بالتآمر عليه لضرب "الممانعة والمقاومة"، ويحمي "قدّيسيه" المتّهمين من شرّ بلمار وفرانسين وكاسيزى، وشرور الشرق والغرب والعرب والعجم، باستثناء عربي واحد (نظام الأسد)، وأعجمي واحد (نظام الوليّ الفقيه).

 

- اذا جرى خطف الاستونيّين لحساب النظام السوري، ثمّ اطلاقهم في صفقة مريبة، فهو لا يعلم شيئا عن الموضوع، ولا يدري ما جرى في مربّعه الأمني البقاعي، وعبر الحدود مع سوريّا.

 

- اذا انكشفت معلومات رسميّة من نيويورك وجنيف عن تورّطه في قمع المتظاهرين في سوريّا واسناده النظام، يتصدّى للأمم المتّحدة ويدعوها الى تكذيب نفسها، ثمّ يتبرّع بالتكذيب وينسبه اليها بدون علمها.

 

- واذا جرى تفجير في انطلياس، وتبيّن أنّ المتورّطين فيه من عناصره، يسارع الى التنصّل، ثمّ الى تحميل وسائل الاعلام المسؤوليّة، مطالبا بعدم "الزجّ باسمه" وبعدم التشويه والتضليل.

 

- حتّى اذا نشر "قمصانه السود" في بيروت وعاليه لتنفيذ "انقلاب ديمقراطي"، يروّج أنّهم مجرّد أصدقاء يلتقون للقيام برحلة ترفيه!

 

كلّه ترفيه بترفيه، و"حزب الله" لا يهمّه من حطام هذه الدنيا الاّ اسعاد اللبنانيّين، ولا تعنيه الشؤون الصغيرة، مثل الاغتيالات والتفجيرات والمصادرات والانقلابات وعمليّات الخطف... فلماذا التحامل عليه.. "وبراءة الأطفال في عينيه"؟

 

أمّا شقّه التوأم، فكلّه خير خالص. فلماذا يتآمر عليه حلفاؤه وخصومه معا؟ كلّهم على ضلال. وحده على حقّ ولا مجال للنقاش. أبصموا على مليار ومئتي مليون دولار ونحن نعرف كيف نصرفها. يريد تنوير الناس، بالكهرباء والمعرفة، والجميع يمنعه عن رسالته الخالدة، الاّ شبيهه في العلم والطهارة ورفعة الأخلاق في النطق والتفكير، والانتساب الى عالم المثل الأفلاطونيّة.

 

هو يرى أنّ نظام الأسد مظلوم، لا يقمع ولا يعتدي. يعتدون عليه من الداخل والخارج، وهو يدافع فقط عن نفسه. لا يتاجر بشعبه تحت ماركة "حقوق الانسان"، ولم يتلوّث بديمقراطيّة الغرب. لقد حافظت ديمقراطيّة البعث على نقائها، فيجب استلهامها في لبنان.

 

هناك أكثريّة تحكم، فيجب أن تأخذ كلّ شيء: المال والسلطة والسياسة والأمن والقضاء والادارة. ويجب أن تنتقم من المعارضة وتذوّبها، وتحشد كلّ الطاقات، وتنتهز كلّ الفرص لربح معركة 2013، تأسيسا لمادّة دستوريّة جديدة: الحزب قائد الدولة والمجتمع. فكما في سوريّا الأسد يجب أن يكون في لبنان الحزب.

 

ولكن.. ألم يهمس أحد بعد في أذنه وأذن وليّه، أنّ السير عكس السير يؤدّي الى صدام قاتل؟

 

قلوبنا ليست عليهما، بل على من تبقّى من ركّاب في المركبة المترنّحة.

 

نجّهم، اللهمّ، من نزق السائق، وهوسه.

 

الاحد 14 آب 2011