متراس بلدي

بقلم: الياس الزغبي

 

يستطيب بعض أهل السياسة أن يلعبوا دائماً لعبة الواجهة، ظنّا منهم أنّها وجاهة، أو لعبة الغطاء، توهّما منهم أنّه رداء أو ... ذكاء.

وعلى قاعدة "خالف تعرف" يضعون أنفسهم في الخط الأمامي، في معارك يقرّرها ويخطّط لها سواهم، ولا يجنون من نتائجها سوى الثمار المتهالكة وفتات المغانم والأسلاب.

 هذا ما حصل في معارك أربع منذ سنوات خمس، ويحصل الآن للمرة الخامسة:

1-في محاولة اسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى واطاحة النظام عبر تحويل المناطق المسيحية الى ساحة حرائق وصدامات وقطع طرق، ثم غطاء للاعتصام الانقلابي في وسط العاصمة، وصولا الى "وضع الامور في نصابها" في 7 أيّار.

2-في منع انتخاب رئيس الجمهورية أكثر من نصف سنة، الاّ بعد تأمين أجندا  "حزب الله" في الثلث المعطّل وسقوط الحلم المزمن بالرئاسة الأولى.

3- في تأخير تشكيل حكومة سعد الحريري نصف سنة آخر، كرمى لحسابات دمشق  وأولويات الحزب "الحليف".

4- في انتخابات 2009 تحت وهم الانقلاب بالسياسة بعد فشل الانقلاب بالسلاح.

معارك أدمت صاحبها وأنهكت أنصاره وجعلتهم ورقة في مهبّ الريح "الممانعة"، وفرق حساب في لعبة الكبار.

واليوم، وكأنّ تجارب أربعاً قاسية لم تحدث أي صدمة وعي عند هؤلاء المراهنين على سمك البحر، ينخرطون في اللعبة القاتلة نفسها: يستلذّون هواية الواجهة ودور المتراس، ويتصدّرون في بيروت خطّة الواقفين وراءهم لتصفية حسابات قديمة، لا ناقة فيها ولا جمل لأهل الواجهة!

ليس هناك من يستطيع أن يفسّر كيف يسعى أحدهم الى دور بطل حرب في بيروت، ويكتفي بأدوار كومبارس في المناطق الأخرى: ألم يحصل هذا في جونيه والجديده والشياح وعشرات البلدات والقرى في جبل لبنان، وفي زحله حيث دبّ النواح على الموقع الضائع، ولاحقاً في الشمال والجنوب؟  فلا رئيس بلدية واحدا من حصّته، بل مقاعد خلفية تكفيه شرّ القتال! أليس هذا ما فعله ميشال المر في المتن وآل فرام في كسروان ووليد جنبلاط في عاليه والشوف والياس سكاف في البقاع، وقريبا سليمان فرنجيه في الشمال؟

فقط في بيروت، وفي جبيل، يرفع البطل راية الحرب. أليس مكشوفا لماذا هنا وهناك فقط ؟  في الأولى، لا بدّ من ارباك رئيس الحكومة، وفي الثانية لا بدّ من اضعاف رئيس الجمهورية.

وجهان لعملة واحدة، السيرة نفسها منذ ال 2005 ، والهدف احتواء الدولة قبل الانقضاض عليها. والمساكين هم الذين غاب عن بالهم قول الشاعر:

"انّ الزرازير لمّا قام قائمها توهّمت أنّها صارت شواهينا"

يستطيع القائد العسكري أن يمارس هواية المتراس عن بعد، وقد يترك جنوده وينجو بنفسه.

ولكن، في السياسة، لا يصحّ لعب دور المتراس الدائم دفاعا عن مصالح الآخرين، فلا القائد ينجو ولا الجنود.

خصوصا اذا كان المتراس ... بلديا.

28 نيسان/2010