بكاء ديمقراطي

بقلم/الياس الزغبي

 

من أكثر الأمور طرافة وغرابة، بين المجريات اللبنانيّة الأخيرة، "لهفة" ثلاثيّ 8 آذار على الديمقراطيّة والقانون والدستور. أمّا "النهفة" ففي صراخهم ضدّ "الانقلاب" الذي قامت به قوى الأمن الداخلي في مبنى الاتصالات!

 

ليس كثيرا وصف بكائهم على القانون والدستور بأنّه دموع تماسيح، بعدما حوّلوهما الى ألعوبة وأضحوكة، منذ استباحتهم بيروت ومطارها، والدولة وأملاكها، والدوحة وتفاهماتها، والطائف وتوازناته، والرئاسات وحرمتها، والادارات ومناصفتها.

 

وليس بسيطا كلامهم على انقلاب مزعوم، بعد انقلابهم المعلوم، فيصحّ فيهم القول المأثور: "رمتني بدائها وانسلّت".

 

لكنّ الأشدّ طرافة وغرابة واثارة، تفجّع الثلاثي نصرالله – برّي – عون على الديمقراطيّة، وحديثهم عن المليشيات والحرص على المؤسّسات.

 

وسبب الغرابة أنّ الثلاثة موصوفون بغربتهم الكاملة عن المعنى الديمقراطي والمؤسّساتي في العمل السياسي: الأوّل مقيم على حزب مقفل ومدجّج لا يُعرف كيف تُصنع قراراته في الغرف المغلقة، الثاني يتربّع منذ 20 عاما على عرش مؤسّسة يفتحها أو يُقفلها على هواه، والثالث يقبض مع من يصطفيهم على تيّار شعبي عائم وغافل، مقطور نحو المجهول، ومفطوم عن النقاش، وممنوع تحويله الى جسم سياسي منتظم، أو حزب قابل للحياة.

 

وعلاقتهم مع المجموعات الحليفة، في فضاء 8 آذار، علاقة تابع ومتبوع، لها الحقّ في التصفيق لا التعليق،  علما أنّ اثنين من الثلاثي المذكور يصفّقان للأوّل ولا يعلّقان.

 

وتعاملهم مع الخصوم السياسيّين "ديمقراطي" بامتياز، يشهد على ذلك 7 أيّار، والمطار، واغتيال نتائج الانتخابات الديمقراطيّة، وضرب التوازن الوطني بقمصان الفجر.

 

أمّا النموذج الأرقى والأنقى، ففي دعمهم المطلق للنظام السوري ضدّ الناس، لا يرفّ لهم جفن "ديمقراطي" على مئات الضحايا وآلاف المعتقلين، بل يُمنّون النفس بانتصار مثالهم الشقيق كي يخرجوا معه من الضيق، ويطبّقوا في لبنان نجاحاته "الديمقراطيّة".

 

ولكن، ماذا حقّق لهم كلّ هذا "البكاء الديمقراطي"؟

 

أرادوا الانقضاض على شرعيّة الدولة، فكانت النتيجة وضع المؤسّسات في عهدة الأمن الشرعي، جيش أو قوى أمن داخلي، لا فرق. وسقطت لعبة نصب فخّ لهما. كما سقطت خطّة استيلاء وزير على ملك عام لتجييره الى جهات غير شرعيّة، عبر عراضة مسلّحة اعلاميّة سياسيّة.

 

وغدا سيسقط وجه آخر من الخطّة بسقوط قرار الوزير نفسه الاحتفاظ بأموال الناس في خزائنه، لأنّ منطق اقتطاع دويلة ماليّة داخل الدولة غير قابل للحياة. فكيف اذا كان هذا المنطق الاستئثاري من رواسب الستالينيّات المنقرضة والتي تحجّر الوزير في شرنقتها.

 

لقد خسر هؤلاء معركتهم الأخيرة في تجويف الدولة وتصفية ما تبقّى منها، بعدما نجحوا في حرمانها من حكومة ومرجعيّة ودورة قرار وانتاج، وفي هزّ أمنها خطفا وتفجيرا وضرب سمعة.

 

في المحصّلة: لا ديمقراطيّة بدون ديمقراطيّين، ولا مؤسّسات مع الذهنيّة الفرديّة.

 

والذين تباكوا على الديمقراطيّة والقانون والدستور هم الطاعنون فيها والساعون الى هدمها. "ينهون عن خلق ويأتون مثله"، و "عار عليهم عظيم".

 

أوراقهم تنكشف وتتناثر في خريفهم المبكر، وفي غمرة الربيع اللبناني والعربي.

 

فإلى متى سيظلّون يُتقنون فنّ البكاء على ضحاياهم، ويمشون في جنازة قتلاهم!

 

ألا يخشون اتساع مواكب الجنازات للضحايا والجلاّدين معا؟

 

الاحد 29 أيار 2011