14 اذار من وكالة الى رسالة 

بقلم: الياس الزغبي

   

أرادوا دفنها، وهي في نهاية ربيعها الخامس. ربيعية نديّة واعدة، تستولد حلما كلّما فتحت عينيها على تحقّق حلم، أو تبدّد آخر. حاولوا خنقها بعد أن تخطّت مرحلة الحبو الى الجري الواثق، وقبل أن تبلغ ريعان الصبا اللبناني الحي.

 

مفاجئة، 14 اذار، ومحيّرة. من أين لها هذه الحيوية المتجدّدة، هي التي تعثّرت مرارا، وسقطت، ونبت العشب على دروبها، وتناثر خريفها، بعدما خذلها الربيع.

 

مدهشة، 14 اذار، وحاملة لغز. كيف تهيض أجنحتها، ثم تتعافى وتخفق في الريح السياسية، عبر العواصف والأنواء، وان تلكّأ جناح فالى حين، انتظارا لتحسين مناخ الرحلة. 

 

طائر فينيق ينسج رماده شراعا لخوض الغمار. سرّها ليس فقط في مجموع أسرار مكوّناتها، "فانّ في الخمر سرّا ليس في العنب". هو في هذا الرحيق السحري الذي تنشّقه اللبنانيون قبل سنوات خمس، خميرة مقدّسة معجونة من الحرّية والحقيقة والكرامة وعشق الحياة.

 

وسرّ الأسرار أن من هم خارجها منتسبون اليها، على غفلة منهم، أو على توهّم وقوفهم ضدّها، فهي لهم بقدر ما هي لأهلها ومؤسّسيها، وهم أبناؤها بقدر ما هم لبنانيون يتوقون الى اللبنان الذي رسمته، ولا تزال تحمل ريشتها بعناد لاكمال اللوحة الموعودة.

 

نعم، انّه سرّ استمرار 14 اذار: حاضنة لارادة اللبنانيين، الذين معها، ومن هم ضدّها. في سلبية خصومها ايجابية مكتومة، نداء داخلي صادق، توق الى الهدف نفسه، تواطؤ خفي، وتعاقد على الحياة.

 

أولئك المتربّصون بها، الشامتون بانفكاك حلقة، أو أكثر، من عقدها، هم أنفسهم محكومون بمصيرها.

 

هي حبل النجاة وحبل السرّة. قد تدفع عقدة الانتحار غريقا الى رفض يد الخلاص، لكنّ أهل الخير لا يسألون طالب نجدة أو رافضها عن نيّته، فالأولوية هي للحياة: "عش أوّلا ثمّ ...".                  

وهل يصحّ السؤال بعد عن أسباب التجدّد وسر البقاء؟ اذار لم تعد مجرّد وكالة، انّها رسالة. وحين تبلغ المهمّة مستوى الرسالة، لا تسأل عن هوية معتنقيها. ولا تسعى فقط الى الاستمرار، بل الى الخلود.

01 شباط/2010