الثعالب والعناقيد

بقلم/الياس الزغبي

 

كتلك القرعاء التي تتباهى بشعر جارتها. أو كتلك المحاضرة في العفاف تحت قلم سعيد تقي الدين.

 

هكذا هي فرقة الممانعة التي تعزف ألحان التعظيم لثورة مصر، من طهران الى الضاحية وغزّة، بينما يقف العضو الرابع في الفرقة مرتبكا خجولا على أبواب دمشق، يتحسّس ما اذا كان رأسه لا يزال في مكانه.

 

الممانعون يهلّلون للشباب المصري الذي دقّ أبواب الحرّية "بكلّ يد مضرّجة"، وفي الوقت نفسه يقمعون الأحرار في ساحات طهران ويحاصرون القادة في منازلهم ويصلتون الاعدام على المعارضين، ويفرضون  "ديمقراطيّة مسلّحة" في لبنان، وحياة سياسيّة بدائيّة في غزّة، ونموذجا وراثيّا في سوريّا.

 

وما كان أغنى الرئيس ميشال سليمان عن تقديم غطاء مجّاني للانقلاب في لبنان بقوله: "حصل تداول سلطة بشكل ديمقراطي"، الاّ اذا كانت الديمقراطيّة ترتدي أحيانا بزّات سوداء موحّدة وتنتشر بالسلاح المستور في أحياء بيروت ومداخل عاليه.

 

والواضح أنّ الممانعين أطلقوا العنان لتخيّلاتهم، وظنّوا لوهلة أنّ انتفاضة مصر وتونس وما يليهما، ليست سوى طبعة متأخّرة لثورة الخميني، وأنّ التاريخ أنتج خاتمة الثورات وتوقّف، وما يجري الآن مجرّد هزّات ارتداديّة للزلزال الكوني الأعظم في ايران قبل 32 عاما.

 

كثيرون وضعوا نهايات للتاريخ، ومنهم هؤلاء الممانعون الجدد الذين توقّف بهم الزمن قبل ثلث قرن، فقرأوا ثورة مصر في كتابهم، ونظروا اليها بعيون جامدة، وها هم بدأوا يحصدون خيبة سريعة كلّما تكشّفت لهم كلّ يوم حقائق ووقائع عن أنّ أشرعة مصر لا تسير كما تشتهي رياحهم، وكما تنسج أحلامهم نحو "الشرق الاسلامي الايراني".

 

والحراك المصري نحو الحرّية والديمقراطيّة مرشّح لنقل عدواه الى أنظمة الممانعة، وليس العكس. ولم يشهد التاريخ اعادة احياء تجربة سابقة، فكيف اذا كانت هذه التجربة ماثلة بنتائجها الكارثيّة لدى الممانعين، على مبدأي الحرّيّة والديمقراطيّة.

 

حين ينجلي الغبار عن أرض الكنانة، سيتّضح كم كان تهليل الممانعين ورقصهم خارج الزمن الجديد الذي كتبه شباب مصر، وخارج الريادة المصريّة للنهضة العربيّة، مرّة بعد مرّة، في شراكة الرسالة الحضاريّة مع لبنان، تماما كما شاركت بيروت والقاهرة في صناعة نهضة القرن الـ 19.

 

وأبسط ما يجب أن يدركه راقصو الضاحية أنّ الشباب المصري لم يستلهم ثورته من "مجد" 7 أيّار، ولا من "ثقافة" القمصان السود، بل من هتاف الحرّيّة والحقّ في ميادين ثورة الأرز، ومن الحيويّة المقموعة للثورة الخضراء في ايران.

 

هل نحن أمام شرق أوسط جديد؟ نعم، ولكنّه بالتأكيد ليس "الإيراني"، وبالتأكيد ليس النموذج الذي قدّمه "حزب الله" في محاولة الاستيلاء على السلطة بقوّة السلاح، وبالتأكيد أكثر ليس النموذج الوراثي والأقلّوي السوري. والمضحك أن يتوهّم "الممانعون" مصادرة ثورة مصر وما قبلها وبعدها، كتلك "الثعالب" التي تحدّث عنها الشاعر السوري الحلبي قبل أكثر من ألف عام، "فقد بشمن، وما تفنى العناقيد". نواطير مصر غير نائمة هذه المرّة، وعناقيد ثورتها أمانة لدى جيلها الجديد.

 

واليوم، كما في الأمس، الثعالب مُتخمة، لكنّ العناقيد باقية.

ومن يظنّ أنّ في استطاعته التهام التغيير العربي وهضمه، يُمكن تذكيره بخبريّة الواوي الذي بلع منجل الحصّاد. البقيّة معروفة. والباقي في حياتكم.

 

السبت 12 شباط 2011