ذخائر مارعون

بقلم: الياس الزغبي

 

الحاج العائد من سوريا بدأ يطوف على أبواب المرجعيات السياسية والروحية، من بعبدا الى مار نقولا ... الى بكركي، لالتماس غطاء تعرّى منه قبل حجّه، ولاستجداء براءة ذمة سفحها على قدمي "قاتل الأنبياء وراجم المرسلين اليه".

 

واذا كان الأصيل استنكف عن استقباله في باب توما فان السعي نحو الوكيل الجليل في بيروت، تحت جنح الظلام، لن يستر عريه ويقيه صقيع غربته. واذا كان مار مارون قد غرق في صمته الدهري وحزنه البليغ حين عرف حقيقة دوافع الوافدين اليه، فان خليفة مار يوحنا مارون على كرسي أنطاكية وسائر المشرق أطلق كلمة الحق وصرخة الغضب المقدّس كي يعيد الخراف الضالة (الخراف؟) الى بيت الجماعة وحظيرة الامة.

 

ولكن المسيحيين مصدومون أمام خمسة نماذج مخجلة طارئة عليهم اقتحمت ماضيهم وحاضرهم وثقافتهم، وتندى لها جباههم، ويخشون منها على مستقبلهم:

 

زعيم سياسي يحشر اسمه في لائحة القدّيسين من بولس الى مارون الى يوحنا بولس الثاني، وربما لاحقا، وبعد التواضع من مستوى الكون والعالم والشرق الى مستوى لبنان، مع شربل ورفقا والحرديني والكبوشي ...

 

وزير سابق يضرب بسيف سيده أعناق المسيحيين، ويجلد بني قومه بسوط "المسيحية المشرقية" لمنحهم "شرف" توظيف الكنيسة في خدمة السلطان، واكتسابهم "نعمة" الحماية والأمان على أرواحهم وأموالهم.

 

نائب "متمورن" حديثا جاءته الدعوة الطوباوية متأخرة، تولّى توزيع الهدايا الحمصية مباشرة على الهواء بتقوى وخشوع، مغلّفات تحتوي على "ذخائر مارعون" كاد موزّعها يرشح زيتا.

 

صحافي سخّر "عقيدته" المسيحية في خدمة الطوطم، بوجهه اللبناني وقفاه السوري، وارتقى الى "رتبة" مروّج تقارير مخابرات، في حالة اسخريوطية "مودرن" تهزأ من تواضع الثلاثين من الفضة.

 

استاذ جامعي – ابتدائي يتخبّط في خطاب وعظي انشائي، سار وراء معلّمه في شوارع دمشق على خطى مار بولس "مع الجموع بخشوع وذرف الدموع" ... وكم أنتم مساكين يا طلاّب الكلية – الخلية!

 

انها نماذج من يومياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية المتهالكة التي تصفع العقل والوجدان، ولا نصدّق أن المسيحية باتت قاحلة ماحلة فلم تعد تلد الكبار، بل هي عوارض عابرة تصيب الأجسام السليمة، وسرعان ما يزول العرض ويبقى الجوهر.

 

وفي ما يعبّر بصدق عن التعاظم والعملقة المزيّفة في النموذج الاول طرفة بليغة من تاريخنا الحديث: في أواخر الأربعينات من القرن الفائت دعي رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري الى تدشين دير الصليب، وقرّرت الرهبنة استقباله استقبالا حاشدا ووضعت بعض مرضى الدير في عداد المستقبلين. ولما وصل موكبه تقدّم أحد المرضى بسرعة وسأل الرئيس: من أنت ؟! فأجابه الشيخ بشارة: انا رئيس الجمهورية. فضحك المريض وصاح متفاخرا: أدخل، أدخل...أنا دخلت قبلك الى هنا، نابليون !!

 

وسلام على من عرف حدّه فوقف عنده .

 

15 كانون الأول 2008