قدمت نظرة موضوعية وشاملة يُنتظر ترجمتها على أبواب استحقاق "مفصلي"

وثيقة "البيال" تضع "14 آذار" أمام تحدي: ماذا بعد؟

أيمن شروف

 

المستقبل - الثلاثاء 17 آذار 2009

أن تجتمع قوى 14 آذار للسنة الثانية على التوالي في البيال، أمر ليس بغريب. ولكن أن يخرج الأكثريون إلى الشعب اللبناني ببرنامج سياسي انتخابي، في هذا التوقيت بالذات، لا شك بأنه إنجاز يحسب لـ"14 آذار" التي تصر في كل مرّة، حين تكثر الإيحاءات والإدعاءات وحتى التوجسات، أن تؤكد على أنها تستطيع أن تغلّب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية، وأن تبقى وفية لمسيرة الحرية والسيادة، التي من أجلها وحدها اجتمع أكثرية الشعب اللبناني تحت عباءة هذه القوى.

 

في كل مرّة يدخل الشك إلى قلوب اللبنانيين الحريصين على الوطن، تفاجئهم "14 آذار" بقدرتها على أن تبقى قريبة من تطلعاتهم وطموحاتهم على الرغم من شتى أنواع الترهيب والتهديد الذي تواجهه، فتخرجهم من دائرة اليأس إلى مساحة الأمل بلبنان سيد عربي ومستقل. وفي كل مرّة يكون فيها الوطن على أبواب محطة "مفصلية"، تكون "14 آذار" سباقة في استدراك السبيل الأنجع للعبور إلى وطن أراده شهداء "ثورة الأرز" أن يكون لجميع أبنائه، وطناً للحياة..

 

في مؤتمرها الثاني، وفي الذكرى الرابعة لـ"انتفاضة سلمية" هزت العالم بأسره وأسست لقيامة لبنان، وضعت قوى 14 آذار الخطوط العريضة لمعركتها الانتخابية، قبل 85 يوماً من موعد هذا الاستحقاق، وقدمت للبنانيين على جري العادة مجموعة من الأسس تؤمن "الانتقال من لبنان الساحة إلى لبنان الوطن"، و"طي صفحة الانقسام الداخلي وتكريس النهج السلمي الديموقراطي لبناء دولة يستحقها اللبنانيون"، دولة "تدافع عنهم وتحل مشاكلهم وتؤمن استقلالية القرار الوطني والتنمية القابلة للاستمرار".

 

وإذ أكدت القوى الاستقلالية تمسكها بالقرارات الدولية وفي مقدمها الـ1701، واتفاق الطائف بوصفه الميثاق الوحيد الذي يضمن استمرارية الوطن، طرحت في نفس الوقت، أو بالأحرى أعادت التأكيد على أهمية أن يحسم اللبنانيون خيارهم على مستقبل لبنان "بين الوطن المهدد باستمرار والوطن الآمن والنهائي لجميع ابنائه وبين شعب تتقاذفه الأهواء الداخلية والخارجية وشعب موحد وبين دولة مستباحة ودولة منيعة الجانب للجميع وفوق الجميع"، وبالطبع ستكون الانتخابات منطلقاً وجسراً لتحقيق هذه الأهداف، التي في الشكل والمضمون لا يقال فيها، إلا أنها تعبير صادق وصريح عن تطلعات أبناء هذا الوطن، الذين في كل محطة من المحطات يثبتون أنهم شعب "التضحية" من أجل الوطن.

 

من هنا، ينتظر قيادات "14 آذار" الكثير من العمل الجاد والمتواصل، في فترة زمنية محدودة، أي قبل الوصول إلى موعد الانتخابات لاستفتاء اللبنانيين على اختلافهم، حول هذه التوجهات فهي كانت وما زالت تردد أنها حريصة على إشراك فئات المجتمع في القرار، فلا يكون عملها هذا سوى تأكيداً على "جماعية" القوى الاستقلالية في التعبير عن الرأي وعن الهم المشترك الذي يجمع قياداتها بجمهورها العريض، بل أكثر من ذلك، أمام "14 آذار" تحدي موضوعي وواقعي في قدرتها على الوصول إلى الرأي الآخر والتأثير فيه، لأن ما قدمته في البيال يصلح وبكل موضوعية لأن يكون توجهاً عاماً لدى كل اللبنانيين.

 

وما يعزز هذا التوجه، أي الوصول والتأثير في الرأي الآخر، أن فريق 8 آذار لم يقدم منذ انطلاقه أي وثيقة تمنهج عمله، بل جلّ ما ظهرت به هذه القوى على الشعب اللبناني، لا يعدو كونه عناوين عريضة، فارغة من المضمون بكل ما للكلمة من معنى، بل أكثر من ذلك، لم ير منها لبنان سوى تعطيل ومعارضة من أجل المعارضة، وإن كانت تحمل شعار "المقاومة" في كل وقت وحين، فإن اللبنانيين ليسوا بحاجة إلى هذا "الإرشاد" الذي مرّ عليه الزمن، فهم مقاومون منذ ولدوا، ومقاومة السلاح لا تكتمل إذا لم تقترن بالمقاومة السياسية، التي نحن بأشد الحاجة إليها.

 

اليوم لم يعد من مجال أو فرصة للاعتقاد بأن العاطفة التي ولدت في 14 آذار 2005، كافية لاستثارة فئات من اللبنانيين، وإن استطاعت ذلك، فهذا لا يعني أن الجمهور الاستقلالي يرتضي لنفسه أن يعامل على هذا الأساس، وهذا بالضبط ما تدركه القيادات السياسية التي عليها أن تترجم "إدراكها هذا" إلى حقيقة حسية، تنطلق من الإيمان بأن شعب "14 آذار"، وُلد لأنه يملك من الوعي السياسي ما يخوله أن يحمل شعلة الوطن ويمشي بها للحرية.

 

ويبقى في ظل هذا الواقع، أن ننتظر كيفية ترجمة وثيقة لـ"المستقبل"، كالتي قدمتها قوى 14 آذار في البيال، ترجمة عملية وواضحة، كما أن علينا الانتظار لمعرفة ما إذا باستطاعة هذا الفريق الاستقلالي أن يؤكد مرة جديدة حرصه على المصلحة الوطنية ويخرج من حساسيات ضيقة قبل استحقاق الانتخابات، إن كانت الديموقراطية هي شعاره الأول والأخير، كما لا بد لنا من سؤال هذه القوى عن قدرتها اللوجستية والتنظيمية لإنجاح مشروعها السياسي، ولا بد لنا أيضاً أن ننظر إلى الانتخابات باعتبارها فصلاً من فصول حرية التعبير وابداء الرأي بكل ديموقراطية، لنرى إن كان باستطاعة قوى الأكثرية أن تثبت استمرارية نهجها الحضاري في حرية التعبير أولاً، وفي احترام الآخر ثانياً.

 

مشروع متكامل

يقدم المحلل السياسي الياس الزغبي قراءة موضوعية في المؤتمر الثاني لـ"14 آذار"، وللوثيقة التي أطلقها، فبنظره "4 سنوات كانت كافية لبلورة مشروع سياسي متكامل لثورة الأرز، بعد أن عانت تجارب متراكمة في الأمن والسياسة والثقافة والمجتمع وباتت لها رؤيتها المتماسكة وليس مجرد عناوين أو أهداف عليا انطلقت على أساسها في 14 آذار 2005 وهي في مجملها كانت آنذاك خمسة مبادىء: السيادة الاستقلال الحرية الحقيقة والديموقراطية.

أما اليوم، يرى الزغبي ان "القوى الاستقلالية تنحو منحى بناء الدولة على مرتكزات علمية ونظرة ثاقبة شاءت ان تجمعها في 14 بنداً، تشمل مختلف مناحي الحياة اللبنانية، لذلك، ووضعت نفسها أمام مسؤولية المستقبل السياسي ولم تعد مجرد ردة فعل أو حالة عاطفية عابرة ومؤتمرها الثاني في "البيال" شكل منعطفاً أساسياً يجمع العناوين والأهداف الى الآليات والمسالك المؤدية الى الدولة التي يطمح اليها جمهور 14 آذار.

 

وإن كان الكثيرون، وخصوصاً في أوساط 8 آذار حاولوا وسيحاولوا أن يجدوا في وثيقة "البيال" نوعاً من تكتيك مرحلي ناتج عن تحول ما في المنطقة العربية والعلاقات الاقليمية والدولية، فإن أي متبصر في العمق السياسي والوطني يكتشف ان أسس ثورة الأرز ما زالت راسخة وقد نبتت لها اليوم أجنحة تنفيذية وبرنامج سياسي متكامل يصلح للبنان الدولة المدنية الحديثة بحسب ما يقول الزغبي.

 

تحديات ثلاثة

ولكن هذه الوثيقة أتت في وقت قليل يفصلنا عن الانتخابات، كي يتم استفتاء جمهور 14 آذار على هذه الوثيقة خلال الانتخابات النيابية المقبلة، وفاعليات 14 آذار وقواها القيادية واثقة من هذا الاختبار الشعبي والسياسي، ولكن هذه الثقة في حاجة الى عمل منهجي يبلغ مستوى الأفكار العليا، أي أن 14 آذار باتت أمام ثلاث تحديات، فالتحدي الأول كما يراه الزغبي، هو مبدأي، بمعنى عمق الالتزام بهذه الرؤية السياسية فتكون هي المهمة لكل برامج الفرعية التي يمكن أن تضعها قوى هذا التجمع التاريخي في صورة منفردة اذ ان التزام المبادىء الاربعة عشر مسألة حيوية للنجاح في الانتخابات، أما التحدي الثاني، فهو تنظيمي، فلا يحدث أي تهاون أو خلل أو ضعف في تنسيق جهود الماكينات الانتخابية وتحديد أطر عملها الشعبي واللوجستي والسيكولوجي.

 

ويتابع الزغبي تقسيمه التحديات التي ستواجه "14 آذار"، ليشير بأن التحدي الثالث واالأخير، يتمحور حول اثبات المستوى الحضاري لأول تعبير ديموقراطي أساسي عن الحريات الفردية والجماعية، فتقدم هذه القوى نموذجاً حياً ينسجم كلياً مع المستوى السلمي الهادىء والحضاري الذي قدمته خلال ثماني تجارب شعبية كبرى على الأقل في مناسباتها الجماهيرية على مدى 4 سنوات فتكون الانتخابات تعبيراً عن حيوية شعبية بعيدة كل البعد عن أي عنف أو خلل أو حتى أي اسفاف في الخطاب الانتخابي أو السياسي.

 

ويخلص إلى القول، أنه "إذا اكتملت هذه الصورة بفعل سهر القيمين على ورشة العمل السياسي والانتخابي في 14 آذار تكون هذه القوى سائر بثقة نحو احدى نتيجتين حتميتين الربح أو الانتصار، فالربح بات أكيداً وهو تحقيق الاكثرية المطلقة أما الانتصار فهو ممكن في حال لامست نتائج الانتخابات سقف الثلثين وهذا أمر ليس بمستحيل أو مستبعد. وهنا أهمية التماسك والمواجهة السياسية".

 

الجمهور صنع الوثيقة

وعن قدرة جمهور "14 آذار" التفاعلية مع ما طرحته هذه الوثيقة، يخالف الزغبي الرأي القائل بأن القيادات هي التي توجهت بهذه المبادئ إلى جمهورها وإلى الشعب اللبناني، بالقول "هذه الوثيقة هي في الواقع من صنع جمهور 14 آذار فاذا كانت قياداتها قد نجحت نجاحاً واضحاً في طرح هذه الوثيقة فالسبب يعود وبشكل أساس لأنها استلهمتها من إرادة وطموحات وآمال شعب 14 آذار. هذا الجمهور العريض هو الذي كتب الوثيقة بعد مراحل من التهاون حيناً والعنف حيناً آخر والإهمال أحياناً فأطلق هذا الجمهور إرادته في شكل مباشر وواضح في هذه الوثيقة وتحديداً خلال المهرجان 14 شباط. المناسبة التي على أساسها وضعت الوثيقة والتحدث هو ان تلتزم قيادات 14 آذار بما نصه جمهورها في هذه الوثيقة وليس العكس فلا خوف على الجمهور، الكرة اليوم في ملعب القيادات كي لا تخذل من دعم مسيرتها على مدى اربع سنوات".

 

ويستدرك الزغبي قائلاً "هذا لا يعني ان ليس هناك وعياً سياسياً دائماً على الجمهور التحلي به فلا يشككه مشكك ولا تخدعه مظاهر ولا تضعف عزيمته التهويلات حتى الأمنية منها والجمهور يدرك تماماً ان امامه موجات هائلة من التشويه الإعلامي والسياسي والتخويف والتشكيك ولكنه في نفس الوقت أثبت قدرته على اسقاطها حاجزاً بعد آخر".

 

وأبعد من ذلك، يصح القول بحسب الزغبي أن هذه الوثيقة تجسد الحالة المختلطة ما بين قوى 14آذار والقوى المستقلة الحليفة ولا نبالغ اذا قلنا ان هذه الوثيقة تجسد في عمقها الوطني ارادة اكثريات ما داخل القوى الشعبية لـ8 آذار خصوصاً ان هذه القوى تعجز حتى الآن عن تقديم مشروع سياسي عام ومفصل لجمهورها المتعطش الى برنامج انقاذي يرسو عليه مستقبل لبنان