عون "يشي" بتقاطع المصالح بين الأقلية.. وإسرائيل!

المستقبل - الجمعة 18 أيلول 2009

عبد السلام موسى

 

لم يكن إتهام رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون للاكثرية بأنها مدعومة من إسرائيل، بقوله إن "اسرائيل تدعم الأكثرية لأن الأكثرية تدعم التوطين"، سوى "غيض من فيض" إتهامات كثيرة، لا شك أن "مطبخ الاقلية" سيحاول جاهداً ترويجها في السوق السياسية هذه الايام، لخلق كباش سياسي حول مواضيع تجاوزها اللبنانيون، وذلك لـ"تحويل الانظار" عن "حقيقة" وقوفه وراء "عرقلة" قيام حكومة لـ"كل لبنان"، تواجه التحديات الداخلية والخارجية، وأبرزها تصاعد حدة التهديدات الاسرئيلية للبنان، مع وصول "اليمين المتطرف" الى الحكم.

 

إذاً، يمكن القول ان كلام عون الذي وصل حد "الفجاجة" في معاكسة الحقائق التاريخية، وافتقاد المنطق والحجة في التبرير، ليس سوى "جرس إنذار" للبنانيين، كي يهيئوا آذانهم منذ اليوم وحتى موعد "الافراج الاقليمي" عن حكومتهم، لسماع مزيد من "التحليلات" و"القراءات" الهادفة الى تكريس واقع الانقسام السياسي والشعبي، وضرب أي مسعى يقود الى رص الصفوف، والذهاب الى حكومة قادرة على الانتقال بلبنان الى مرحلة جديدة، تزيل رواسب المرحلة الماضية، وتحديداً السنوات الاربع الاخيرة.

 

وقبل الخوض في خلفيات كلام الجنرال وتوقيته، لا بد من التوقف عند خلاصة ترددها أوساط سياسية، وتتعلق بواقع "الانحدار" في "نوعية التحليلات" التي بات الجنرال عون "يتحف" اللبنانيين بها من وقت الى آخر. "تحليلات" أقل ما يقال فيها انها لا تليق بزعيم يدعي تمثيل أوسع شريحة من المسيحيين، فاتهامه الاخير للاكثرية، وما ينطوي عليه من اتهام لاكثرية اللبنانيين بـ"العمالة"، يندرج في إطار "ترويج الكذبة .. ثم تصديقها"، ويضعه في مواجهة هو بغنى عنها مع شريحة كبيرة من اللبنانيين أهان "كرامتهم" و"وطنيتهم"، تماماً كما فعل وئام وهاب بنظرية "المحكمة الدولية وصرمياتي سوا"، وكما يفعل ناصر قنديل وجماعة المحور السوري الايراني، عندما يبتدعون نظريات خيالية تأسرهم، وتجعل الشعب اللبناني يستمتع في الضحك عليهم، وهذا ما يشير اليه عضو الامانة العامة لـ"14 آذار" النائب السابق مصطفى علوش بقوله ان "عون أصبح أحد التلامذة النجيبين لمدرسة المخابرات السورية، التي دأبت على اتهام جميع خصومها ومن يعارض نظامها ولا يتفق معها بالرأي، بأنه عدو أو متعاون مع العدو الاسرائيلي".

 

لا شك في أن عودة عون "غير المحمودة" الى خطاب التخوين ليست إلا ترداد خطير للخطاب نفسه الذي ساد لدى حليفه "حزب الله" بعد حرب تموز في العام 2006، والذي أدى الى ما لا تحمد عقباه في الشارع من إنفجارات يومي الثلاثاء والخميس الاسودين، وقبلها مع "غزوات" شباب الاعتصام الشهير في ساحة رياض الصلح لـ"تحرير" شوارع بيروت من "العملاء"، ولـ"تحرير" السرايا من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، التي كانوا يصفونها بـ"حكومة فيلتمان"، ثم عادوا ووضعوا أيديهم مع رئيس "حكومة فيلتمان" في حكومة ما بعد "تسوية الدوحة"، لأنهم حققوا مكاسبهم السياسية ليس إلا، أي أن كل خطابهم التخويني كان "كذبا بكذب"، وكان للتغطية على أشياء اخرى، بمعنى "تسخير" الخطاب التخويني لخدمة أهدافهم السياسية.

واليوم "عادت حليمة الى عادتها القديمة"، عاد الخطاب التخويني نفسه، ولكن المفارقة أن عون يأخذ على عاتقه مهمة التخوين، أي أنه "بات في خدمة مشروع "حزب الله"، وعرابيه سوريا وإيران، "فيكشف ما لا يستطيع "حزب الله" أن يعلنه من حين الى آخر"، على حد تعبير المحلل السياسي الياس الزغبي.

 

حسناً فعلت قيادات الاكثرية بعدم الاكتراث لاتهامات عون، على ما يقول المثل "إللي تحت باطو مسلة بتنعرو"، إذ يبدو أن "مسلة" الجنرال "نعرتو" وزيادة، لإثارة سجال سياسي جديد حول التوطين بـ"الوكالة"، في ضوء "إفشال" الاكثرية لمخطط زملائه من مكبري أصوات المحور السوري - الايراني، في إثارة سجال حول المحكمة الدولية الخاصة في لبنان، عبر اتهامها بـ"التسييس"، وربطها في مكان ما بتأخير تشكيل الحكومة، من خلال القول ان الاكثرية تؤخر تشكيل الحكومة في انتظار القرار الظني.

 

لم تكترث الاكثرية لأن لا منطق في اتهامات عون، فهي تستند الى منطق الدستور الذي نص في مقدمته على منع التوطين والتجزئة والتقسيم، كما ترتكز على مقررات الحوار الوطني التي تمّ التوافق فيها على بند رفض التوطين وصولاً الى مشروع القانون الذي تقدّم به عشرة نواب من مجلس النواب السابق لسحب "فزاعة التوطين" من البازار السياسي.

 

إذاً، ليست المسألة مسألة توطين، بقدر ما هي "التعمية" على حقيقة من يعرقل قيام الحكومة في لبنان، وبقدر ما هي "التغطية" على قرار إقليمي سوري إيراني بعدم تشكيل حكومة في لبنان لإبقاء الوضع اللبناني معلقاً و"تحت السيطرة"، واستخدامه كما جرت العادة، "ورقة تفاوض" مع المجتمع الدولي، كما أكدت رزمة المقترحات الايرانية لمجلس الامن، وتطرقها الى الازمة في لبنان، وهذا ما يؤكده الزغبي، إذ يرى "أن اعتذار الرئيس سعد الحريري "كشف لعبة التعطيل، ووضعها في مكانها الصحيح، أي التقاطع السوري الايراني لاستخدام الورقة اللبنانية للضغط في اتجاهين، الاول المحكمة الدولية بالنسبة الى دمشق، والثاني العقوبات الدولية بالنسبة لإيران على خلفية ملفها النووي". واللافت في هذا السياق أن فريق الاقلية لا ينفك يتهم الاكثرية، ورغم ما تقدمه من تنازلات، بأنها تنفذ إملاءات أميركية وإسرائيلية لتأخير تشكيل الحكومة، وفي نفس الوقت يصر على شروطه التعجيزية، ويتباهي بالتعطيل، الذي يخدم بالدرجة الاولى اسرائيل التي هي المستفيد الاول من الفراغ الحكومي، ومن انكشاف الساحة اللبنانية، وعلى حد تعبير علوش "إذا سلمنا جدلاً بأن الاكثرية متواطئة مع اسرائيل في مكان ما، ولا تريد تشكيل الحكومة، فلماذا لا يبادر فريق عون الى التصدي لهذا المخطط عبر تسهيل قيام حكومة وحدة وطنية، بدل الاصرار على الشروط التعجيزية؟".

 

المنطق يقول، ان من يكون مدعوماً من أي جهة ، ينفذ فقط ولا يعترض، فكيف يستقيم المنطق باتهام الاكثرية بانها مدعومة من اسرائيل، وزعيمها الرئيس سعد الحريري يتحدى اسرائيل، ويرد على تهديدها من خطورة إشراك "حزب الله" بالحكومة، بالتشديد على "أن لا حكومة من دون حزب الله"، ويصر على تشكيل حكومة وحدة وطنية، واضعاً في أولوياتها مواجهة الخطر الاسرائيلي، كما تدل تصريحاته منذ تكليفه الى اليوم.

 

الزغبي "يفضح" طروح "الجنرال" المريبة !

يرى المحلل السياسي الياس الزغبي في اتهامات عون "محاولة لوقف إنكشاف حقيقة التعطيل السياسي المتمادي الذي تقوم به الاقلية، في ضوء إعتذار الرئيس سعد الحريري، الذي استطاع باعتذاره أن يعيد ثلاثة أمور الى نصابها الصحيح: الدستور الى إطاره السليم، والوضع السياسي الى طبيعته اللبنانية، والسياسة الى مفهومها السليم".

"هذه العودة الى الاصول"، كما يصفها الزغبي في حديثه الى "المستقبل"، كشفت لعبة التعطيل، "ووضعتها في مكانها الصحيح، أي التقاطع السوري الايراني لاستخدام الورقة اللبنانية للضغط في اتجاهين، الاول المحكمة الدولية بالنسبة الى دمشق، والثاني العقوبات الدولية بالنسبة لإيران على خلفية ملفها النووي". ويعتبر "أنه مع هذا الانكشاف، كان لا بد من توجيه العقدة الى مصدر وهمي هو اسرائيل، والى مسألة مزمنة هي التوطين، الذي يستخدم من حين الى آخر كشعار للتعطيل السياسي الداخلي".

 

ولكن الزغبي لا يقف عند هذا الحد، بل يسند "كلام عون المستجد" الى "كلامه المريب" الذي أطلقه قبل أسبوع من الانتخابات النيابية الاخيرة من البترون، حين قال ما مفاده إن فوز الاقلية في الانتخابات يعني امتناع اسرائيل عن الهجوم على لبنان، أما إذا فازت 14 آذار فهذا يعني أن هناك خطراً اسرئيلياً على لبنان. ثم كرر مضمون هذا الكلام بقوله إن الاكثرية إذا شكلت حكومة اللون الواحد، فهذا يعني ان اسرائيل ستهاجم لبنان"، ويسأل الزغبي عون "هل يستطيع أن يشرح من يقصده بهذا الكلام؟".

 

إلا أن الزغبي يتولى المهمة عن عون، ويشرح أبعاد هذا الكلام، من زواية "أنه يكشف عمق الانزلاق الذي انحدر إليه عون في خدمة مشروع "حزب الله"، وعرابيه سوريا وإيران، بحيث ان ما لا يستطيع "حزب الله" أن يعلنه، بات العماد عون يكشفه من حين الى آخر".

 

ويلاحظ الزغبي أن كل طروح عون لا تدين الاكثرية، بقدر ما تدين الاقلية، "أي أنها تكشف أن هناك تقاطعاً ما في المصالح وفي الحسابات، وربما في الاستراتيجية على المدى البعيد، بين المحور السوري الايراني، ونظرة اسرائيل الى موازين القوى في الشرق الاوسط، ذلك أن اسرائيل ترى أنه لا يجوز أن تقضي على قوة "حزب الله"، لأن هذه القوة مخولة للوقوف في وجه الاكثرية العربية بدعم من السياسة الايرانية، أو المشروع الايراني. كما ان إسرائيل تضغط على إيران في الملف النووي فقط، وليس في مسألة قوتها الاقليمية، لأن اسرائيل تحتاج الى إيران القوية، كي تبقى فزاعة بوجه العالم العربي، وتحديداً منطقة الخليج العربي ومصر".

 

"المذهل" و"التفسير المنطقي" على حد تعبير الزغبي "أن العماد عون بطروحه، وبرميه التهم جزافاً للتمويه، ومن دون أن يدرك أو يدري ربما، يكشف السر الاستراتيجي الذي يبقي الدور السوري فاعلاً، والدور الايراني فاعلاً، وقوة "حزب الله" متزايدة، وكأنه يقول بطريقة غير مباشرة، ان ما بين اسرائيل والاقلية بقيادة "حزب الله" ما صنعه الواقع، ولا تفرقه السياسة".

علوش يستنتج: عون يخدم اسرائيل!

 

من جهته، يرى عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق مصطفى علوش "أن توقيت إطلاق النائب عون لاتهاماته بحق الاكثرية له علاقة بالوضع الاقليمي، الذي لا يريد حكومة في لبنان، أي أن عون باتهاماته يحاول تحويل الانظار الى مكان آخر لتبرير استمرار فريقه في تعطيل الوضع الحكومي".

 

وإذ يشير الى أن "العودة غير المحمودة الى خطاب التخوين ليست إلا تردادا خطيرا للخطاب نفسه الذي ساد لدى حليفه "حزب الله" بعد حرب تموز في العام 2006"، يبدي علوش خوفه من "أن يكون لهذا الخطاب التخويني المستجد علاقة باي عدوان اسرائيلي جديد، كون إتهام شريحة كبيرة من اللبنانيين بالعمالة، سيؤدي بطبيعة الحال الى استنفار شعبي، يخدم تعميق حالة الانقسام والاصطفاف السائدة، وهذا ما يريده العدو الاسرائيلي، لأنه أكبر المستفيدين من تباعد اللبنانيين، وإنكشاف الساحة الوطنية أمنياً وسياسياً وشعبياً".

 

ويسأل على سبيل الافتراض "إذا سلمنا جدلاً بأن الاكثرية متواطئة مع اسرائيل في مكان ما، ولا تريد تشكيل الحكومة، فلماذا لا يبادر فريق عون الى التصدي لهذا المخطط عبر تسهيل قيام حكومة وحدة وطنية، بدل الاصرار على الشروط التعجيزية، والتباهي بتعطيل مهمة الرئيس سعد الحريري، والتي هي الأكثر إفادة لإسرائيل في الوقت الحالي". ويذكّر في هذا السياق بكلام الرئيس سعد الحريري، عندما أعلن إصراره على إبقاء "حزب الله" في الحكومة، وأنه لا شأن للعدو الاسرائيلي في عملية التأليف".

 

ويعود علوش بـ"الذاكرة الى الصورة التي أظهرت عون في المتحف في سنة 1982 مع الضباط الاسرائيليين، وهو منشرح ومبتسم"، ليؤكد أن "عون أبعد الناس عن إطلاقه لهذا الاتهام، فذاكرة اللبنانيين جيدة"، ويشير الى أن "عون أحد التلامذة النجيبين لمدرسة المخابرات السورية، التي دأبت على اتهام جميع خصومها ومن يعارض نظامها ولا يتفق معها بالرأي، بأنه عدو أو متعاون مع العدو الاسرائيلي".