مقابلة مع الكاتب والمحلل السياسي المحامي الياس الزغبي

جريدة السياسة الكويتية

بيروت - صبحي الدبيسي: 2/12/2009

 

أسأل ما عن مصير المسيحيين إذا أرادت الأكثرية السنية محاسبتهم?

فريق "8 آذار" واهم جداً إذا اعتبر الانفتاح الغربي على سورية سيكون على حساب لبنان

فريق "8 آذار" يعتمد ستراتيجية ترى الدولة مجرد ديكور

سورية رأس حربة إيران لبسط النفوذ الفارسي على المنطقة العربية

ميشال عون متحالف مع دمشق منذ 20 عاماً والاحداث اثبتت ذلك

العماد عون مرتبط بعلاقة عضوية وعميقة مع النظام السوري منذ أيام الرئيس حافظ الأسد

التفاهم بين ميشال عون و"حزب الله" خدعة يستغلها الحزب لتحقيق اهدافه

أسأل ما هي مصلحة المسيحيين في حلف الأقليات الذي يحاول عون إنتاجه للمرة الثالثة مع النظام السوري و"حزب الله",

العماد عون يدعي أنه يحافظ على مصالح المسيحيين وهو في الحقيقة يضرب هذه المصالح من خلال الحلف الذي ينخرط فيه بشكل أعمى

أصبحت سوريا اليوم تجسد حالة إيرانية وهي بمثابة مخلب القط أو رأس حربة للنظام الإيراني

 

رأى عضو "14 آذار" المراقب السياسي الياس الزغبي أن فريق "8 آذار" واهم جداً إذا كان يعتقد ان الانفتاح الغربي على سورية سيكون على حساب لبنان وسيادته واستقلاله. وهو لا يرى في هذا الانفتاح إلا مصلحة للبنان واللبنانيين, لأن سورية التي كانت تجسد حالة عربية, أصبحت اليوم تجسد حالة إيرانية وهي بمثابة مخلب القط, أو رأس حربة للنظام الإيراني الذي يسعى الى بسط نفوذه على المتوسط وعلى المنطقة العربية.

 

الزغبي وفي حوار أجرته معه "السياسة" معه اعتبر ورقة التفاهم الموقعة بين العماد ميشال عون و"حزب الله" مجرد خدعة تعني أن العماد عون خرج عن نطاقه اللبناني إلى نطاق ستراتيجي فيه ووضع لبنان في مواجهة العالمين العربي والدولي, واصفاً كلام عون بأنه "عندما يكون قسم من الأراضي اللبنانية محتلاً لا يعود هناك مجال للدولة ولا يبقى سوى المقاومة" بالكلام الخطير جداً, ما يعني أنه ضد تسليح الجيش, لأن مضمون هذا التصريح مع تصريح نائب الأمين العام ل¯"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم بأن "حزب الله" ملتزم بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر يعني أنهما لا يريدان قيام دولة لبنان.

 

أكد الزغبي أن العماد عون مرتبط بعلاقة عضوية وعميقة مع النظام السوري منذ أيام الرئيس حافظ الأسد إلى أيام الرئيس بشار الأسد, وأن »حرب التحرير التي أشعلها في لبنان في العام 1989 هي التي أطلقت يد سورية في لبنان بتواطؤ مباشر منه«.

 

وسأل: كيف يدَعي عون أن ستراتيجية تدرس في المعاهد في وقت لم يظهر أنه يعرف في الستراتيجيا شيئاً, لأنه بمجرد أن قدم له صدام حسين بعض الدبابات والمدافع خاض حرباً غير متكافئة فدمر المناطق الشرقية ما أطلق يد سورية في لبنان. وهي التي سعت طوال فترة غيابه إلى تقويته شعبياً, لأنها لمست فيه رهاناً أقوى من الرهانات الأخرى.

 

فلا أميل لحود ولا الياس الهراوي, ولا سليمان فرنجية ولا أيلي حبيقة كانوا أحصنة رابحة في السباق الذي كان النظام السوري يقيمه في لبنان ما جعل عون صاحب الحظ الأوفر عنده.

 

كذلك سأل الزغبي عن مصلحة المسيحيين في حلف الأقليات الذي يحاول عون إنتاجه للمرة الثالثة مع النظام السوري و"حزب الله", بعد تجربتين كلفتا المسيحيين أثماناً غالية: الأول في العام 1976 عندما تحالفوا مع سورية, والثانية عام 1982 عندما ظن بعض المسيحيين أن تحالفهم مع إسرائيل ينقذهم من الشرك السوري.

الياس الزغبي رأى أن الحل في لبنان يتم من خلال حلف الأولويات مستعرضاً المراحل التي اتفق فيها اللبنانيون على الأولويات منذ أن عُلِقَ الشهداء المسيحيون والمسلمون على أعواد المشانق في ساحة الشهداء عام 1916, مروراً بمرحلة الاستقلال في العام 1943 والمرحلة الشهابية في العام 1960 وصولاً إلى اتفاق الطائف 1989 وثورة الأرز عام 2005.

 

هذه الإضاءات بالإضافة إلى غيرها من المحطات المؤثرة بتاريخ لبنان عرض لها هذا الحوار الآتي نصه:

 

 

في ظل المتغيرات الإقليمية والانفتاح الدولي تجاه سورية, وكلام الرئيس بشار الأسد عن المحادثات المباشرة مع إسرائيل, يقابله كلام آخر أتى على لسان نائب الأمين العام ل¯"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم, بأن "حزب الله" معني بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر, ما قراءتك للواقع اللبناني؟

يمكن القول ان رهان بعض الأطراف اللبنانيين المندرجين تحت شعار "8 آذار", هو رهان ساذج. بينما يراهنون على أن الانفتاح الغربي وتحديداً الفرنسي الأوروبي ولاحقاً الأميركي على النظام السوري, تعني عودة سورية إلى لبنان, أو عودة النفوذ السوري بشكل كامل إلى لبنان.

المسألة أبعد من ذلك بكثير, والعكس تماماً من هذا الرهان, فالانفتاح الغربي الأميركي-الأوروبي, ولاحقاً العربي على سورية, هما مشروطان بأن تلتزم سورية بسياسة عدم مد اليد إلى القضايا الأخرى. لبنان أصبح حالة قائمة بذاتها بالنسبة للمجتمع الدولي, لم يعد في استطاعة النظام السوري أو سواه, أن يجعل من لبنان ورقة مساومة, لا في المفاوضات مع إسرائيل ولا في بيع الغرب بعض المكتسبات على مستوى مكافحة الإرهاب أو ما سوى ذلك, وهذا ما تؤكده السياسة الأميركية الجديدة مع الرئيس الجديد باراك أوباما, وهذا ما يؤكده من حين إلى آخر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, وهذا ما تؤكده الحالة الدولية الأخرى وتحديداً روسيا تجاه لبنان.

فحين تكون هناك إرادة دولية من روسيا إلى الولايات المتحدة الأميركية, ومن أوروبا إلى العرب, تلتقي هذه الإرادة باعتبار لبنان دولة قائمة بذاتها, يجب تسليح جيشه ومده بعناصر القوة اللازمة له. هذا يعني أن لبنان تجاوز مرحلة الورقة أو الساحة أو المساومة, أو البيع والشراء في مفهوم وعرف المجتمع الدولي, خصوصاً على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي, فيكون رهان البعض في لبنان على أن الانفتاح الدولي على سورية هو انفتاح لإعادة سورية إلى لبنان, كما يحلمون أو كما يتوقعون. فالعكس تماماً هو الصحيح, وأنا على الأقل كمراقب سياسي لا أرى في الانفتاح الدولي باتجاه سورية إلا لمصلحة لبنان وليس العكس. ولا أخشى أبداً من أن يكون هناك ثمن ما يدفعه لبنان لسورية بل على العكس سورية ستضطر إلى التخلي عن كل أحلامها التاريخية وأطماعها المتراكمة في أن يكون لبنان جزءاً سياسياً لها. هذا الأمر تخطاه الزمن. قوة لبنان تكمن في حقه المدعوم على مستوى الأمم المتحدة, مجلس الأمن, المجتمع الدولي, القوى الكبرى في العالم. وتحديداً القوتان الكبريان الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية وبينهما طبعاً أوروبا. ولا نستطيع أن نتجاهل القوة العربية الأساسية التي تمثل النضال العربي الحقيقي الذي تجسد في قمة بيروت عام 2002 وتكرس في قمة الرياض عام 2007 وتقوده دولتان عربيتان (السعودية ومصر) ومعهما كل الأطراف العربية الأخرى. وسورية على المستوى العربي حالة شاذة تقول, إنها عربية, بينما هي تجسد حالة إيرانية.

هناك أطماع إمبراطورية إيرانية تستعيد التاريخ وأمجاده على الفرس سابقاً وتريد أن تمتد على البقعة العربية وفي البحر المتوسط. سورية اليوم هي رأس حربة لهذا النظام الإيراني الذي يسعى لمد نفوذه إلى شاطئ المتوسط, من سورية ولبنان إلى فلسطين وحتى العمق العراقي. وربما إلى الخليج.

هذه السياسة ليست سياسة عربية والمستقبل هو للسياسة العربية وليس للسياسة الإقليمية التي تقفز فوق التاريخ والجغرافيا, فسورية تقفز فوق الجغرافيا, التاريخ العربي لتتحالف مع محور غير طبيعي, غير قابل للحياة على المدى الطويل مع إيران.

ما يعلنه "حزب الله" في الآونة الأخيرة على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم هو إعلان خطير. ولا يقدم جديداً. نحن نعرف تماماً أن سياسة "حزب الله" وستراتيجيته فوق الدولة اللبنانية أبعد من حدود لبنان. هذا في الأساس منذ أن نشأ "حزب الله" في العام 1982 وفي وثيقته الأساسية عام 1985, يرتبط بنظرية ولاية الفقيه وبستراتيجية إيرانية. هذه الستراتيجية جديدة بالنسبة إلينا. ولكن هذا الكلام نضعه برسم حلفاء "حزب الله" وتحديداً العماد ميشال عون الذي يدَعي أنه وقع ورقة تفاهم مع "حزب الله". ومن خلالها لبننة سياسة "حزب الله". ونحن نرى يومياً منذ أن أعلن في الفترة الأخيرة السيد حسن نصر الله الحرب المفتوحة وأن الغاية هي إلغاء إسرائيل. فورقة التفاهم بين العماد عون والسيد نصرالله كانت مجرد خدعة, وإذا لم تكن خدعة فإن العماد عون في عداد الذين خرجوا عن نطاقهم اللبناني, إلى نطاق ستراتيجي إقليمي لوضع لبنان في مواجهة العالمين العربي والدولي. وهذا لا يتلاءم أبداً مع وظيفة لبنان ودوره ومصلحته, ولا يتلاءم بالتحديد أكثر وأكثر مع دور المسيحيين ومصلحتهم ومستقبلهم, فنحن نلاحظ هنا تناقضاً خطيراً.

العماد عون يدعي أنه يحافظ على مصالح المسيحيين وهو في الحقيقة يضرب هذه المصالح من خلال الحلف الذي ينخرط فيه بشكل أعمى. هذا الحلف الذي يمتد من سورية إلى إيران, في وجه الأكثرية العربية الساحقة وإلى جانب المجتمع الدولي. هنا لا أستطيع أن أميز كثيراً بين سياسة الولايات المتحدة والسياسة الروسية بالنسبة إلى لبنان.

إذاً, هذا الكلام الواضح والحاسم الذي يعلنه "حزب الله" يريد أن يجعل لبنان حلقة من حلقات الصراع في المنطقة حتى إزالة إسرائيل من الوجود. هذا الكلام يعني أن لبنان يريد "حزب الله" أن يكون ورقة لتحقيق أهداف كبرى, لا طاقة للبنان على تحملها, وهذا يجعلنا أكثر فأكثر نشك في أن تكون هناك إرادة حقيقية للوصول إلى ستراتيجية دفاعية.

والكلام هنا خطير إذا أخذنا ما قاله العماد عون قبل يومين بعين الاعتبار, فأعلن بعد اجتماع تكتله النيابي, عندما يكون هناك قسم محتل من لبنان, لا يوجد مجال للدولة بل للمقاومة.

خطورة الكلام هذا أنه ينطبق على الحالة الراهنة. هناك قسم من الأرض اللبنانية محتل (مزارع شبعا-تلال كفرشوبا) إذاً, العماد عون يعني أنه لا يعترف بوجود دولة اليوم, طالما هناك جزء محتل من لبنان هو مزارع شبعا, ولا لزوم للدولة برأيه, خصوصاً إقراره الا أحد يستطيع أن يحرر مزارع شبعا إلا "حزب الله". وهذا ينسحب على معارضته تقوية الجيش, وتسليحه. فهو ضد الهبة الروسية التي قدمتها للبنان وضد تسليحه بالسلاح الأميركي.

وهذه الحقيقة الساطعة الحاسمة على ألسنة مكونات "8 آذار", التي تتحدث بالواسطة عن الستراتيجية السورية والستراتيجية الإيرانية.

إذا جمعنا تصريحيْ قاسم وعون في الآونة الأخيرة لأخذنا عبرة واضحة أنهما لا يريدان قيام دولة لبنان. هما يريدان ومعهما أطرف أخرى أن تكون الدولة اللبنانية مجرد ديكور. بينما الحقيقة هناك ستراتيجية لا علاقة لها بلبنان ومصالحه وهم يضمرون فعلاً لا قولاً عدم رغبتهم وعدم موافقتهم تسليح الجيش اللبناني وتقويته.

 

لماذا بتقديرك ذهب العماد عون أبعد من "حزب الله" في مشروع عدم قيام الدولة اللبنانية وخصوصاً أنه أشار أخيراً الى ان الستراتيجية الدفاعية التي طرحها تحويل كل لبنان إلى مقاومة ستدرس في الجامعات السويسرية؟

هذا مضحك فعلاً, هذه ما يسمونها في علم النفس "البارانويا" أي الشعور بالتعاظم والعظمة ونفخ الذات.

المسألة ليست هنا, المسألة ليست كيف ينظر العماد عون إلى نفسه, الخطورة تكمن في أن العماد عون ذهب بعيداً, وأنا لا أقول أبعد من "حزب الله". "حزب الله" أذكى من العماد عون. هو يريد هذا البعد, وهو الذي انخرط قبل العماد عون منذ عام 1982 في هذا البعد في الستراتيجية الإيرانية. ولكنه أذكى من أن يكشف أوراقه بهذه الطريقة التي ينزلق إليها العماد عون. العماد عون لا يتمتع بالقدرة على ضبط خطابه السياسي, أنا أعرفه جيداً عن قرب. ليست له قدرة على ضبط خطابه السياسي وضبط تعابيره ومفرداته.

"حزب الله" ينزلق أحياناً في كلام غير محسوب. كقول السيد حسن نصرالله بعد اغتيال عماد مغنية "إننا بصدد حرب مفتوحة" جاءه آنذاك من يصحح له من إيران ومن سورية لا تقل ذلك لست أنت وحدك من تعلن الحرب المفتوحة. نحن نعلن ذلك إذا كانت هنالك إمكانيات وظروف ومقتضيات وقدرات لفتح حرب مفتوحة نحن نعلن ذلك وليس أنت.

لذلك لاحظنا بعد أسبوع عاد ولملم هذا التصريح. هناك أخطاء يرتكبها المسؤولون في "حزب الله" في الخطاب السياسي أحياناً.

ربما كلام الشيخ نعيم قاسم سنجد له خلال أيام نوعاً من التبرير, مثلاً: بدأوا يقولون إنه كان يتحدث أمام الجماهير. وكأن الحديث أمام الجماهير مسموح أن تخرج فيه عن الخطوط الحمراء.

فمسألة إزالة إسرائيل من الوجود, وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر, لم نتفق عليها في لبنان, هذا يعني أن بعض اللبنانيين يريدون تحويل لبنان ساحة مقاومة لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر. أبناؤها يحررونها. نحن ندعم ذلك, غير مقبول أن تكون عند "حزب الله" التزامات لا طاقة له بها وليس من مصلحته أن يزج نفسه فيها.

أنا لا أستطيع كلبناني أن ألتزم بهذه الستراتيجية وأن أربط لبنان بها, وفي المقابل نجد أن حليف "حزب الله" العماد عون يسكت عن هذه الأمور فلم يسجل له تصحيح أو تعليق واحد على قول "حزب الله" في أكثر من مناسبة أن المقاومة هدفها تحرير فلسطين, وأن هناك حرباً مفتوحة وأن هناك جبهة مفتوحة ضد المجتمع الدولي.

 

ابتزاز الدين لمصلحة السياسة!

ما سر استقبال العماد عون في سورية بهذه الحفاوة, وهل صحيح أن سورية درست حالته النفسية وعرفت أن هوسه بالمظاهر والجماهير حتى أقامت له هذا الاستقبال, وما انعكاس هذا على الساحة اللبنانية؟

  الاستقبالات الكبرى التي نظمها النظام السوري لعون هي لخدمة أجندة النظام السوري وليست لخدمة عون شخصياً, هم استغلوه وحيثيته شعبياً ومسيحياً ليدعي النظام السوري أنه نظام علماني, ولا يقيم استقبالات ذات طابع ديني, باستثناء قداسة البابا.

ولكن شخصية سياسية يقام لها استقبال ديني هذا خرق فاضح لكل مفاهيم العلمانية التي يدعيها نظام "البعث" في سورية. هنا مفارقة استخدام في خدمة السياسة!

لا يمكن لاستقبالات كهذه أن تخدع أحداً, كما لا يمكن بقرار "همايوني" صادر عن رأس النظام السوري أن يطوب عون زعيماً أو بطريركاً أو إمبراطوراً على المسيحيين في لبنان والشرق. وليس هو في المقابل يستطيع أن يحول النظام السوري إلى نظام يرشح زيتاً بالنسبة للمفاهيم المسيحية.

إذاً, المسألة هي مسألة التقاء مصالح, ولكن في المحصلة نجد أن سورية حققت أهدافاً بينما العماد عون خسر نقاطاً على الأقل, وستظهر خسارته في الانتخابات, فهي المحك الحقيقي لهذا الاندماج الذي فعله العماد عون في كنه وجوهر السياسة السورية التي يتبعها النظام منذ أربعين عاما. ولا يخدع أحداً قول العماد عون: "إن النظام في سورية تغير".

ماذا تغير في هذا النظام? إذا كان هناك أشخاص تغيروا, فالمسألة ليست مسألة أشخاص, مثلاً: تغير عبدالحليم خدام, هناك فاروق الشرع وهكذا, فالمسألة هي مسألة نظام مازال في ذهنيته ذاتها, في نظرته إلى لبنان الذي يعتبره جزءاً لا يتجزأ من حيويته السياسية. وهو  مازال نظاماً ديكتاتورياً قامعاً.

كان على الأقل على العماد عون أن يسأل عن أحد المسيحيين الكبار الموجودين في السجون السورية, وهو المفكر والباحث والكاتب والمثقف ميشيل كيلو, لم يسأل عنه.

 

عون الحصان السوري الرابح

بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على زيارة العماد عون, ماذا حققت من نتائج؟

هذا السؤال هو برسم العماد عون شخصياً, ما النتائج التي عاد بها? يقول أنه أجرى عملية غسل للوجدانين المسيحي والسوري. نحن لا نجد أنه غسل هذا الوجدان, لسببين هما:

أولاً: لأن غسل الوجدان يجب أن يكون متبادلاً.

ثانياً: العماد عون اجرى مصالحة شخصية مع النظام السوري, وهو لم يكن بحاجة إليه.

أنا في متابعتي لسياسة العماد عون على مدى عشرين عاماً وكنت قريباً إليه, لكنني لم أكن أستطيع أن أخترق حقيقة تفكيره العميق, لكن تأكد لي منذ ثلاثة اعوام ونصف العام حين تركت العماد عون أنه منذ عشرين عاما, يرتبط بعلاقة عضوية عميقة مع النظام السوري أيام حافظ الأسد وصولاً إلى بشار الأسد. هذه القاعدة في علاقته مع السوريين. أما الاستثناء فهو حين كان أعلن حرب التحرير وذهب إلى الكونغرس عام 2003 في مناسبة مناقشة قانون محاسبة سورية وسيادة لبنان. يتحدث عون اليوم عن ستراتيجية دفاعية ويدعي أن ورقته ستدرس في المعاهد, بينما عام 1988 لم يظهر أنه يدرك في الستراتيجيا شيئاً ولا يعلم في موازين القوى شيئاً, وخصوصاً في الحرب غير المتكافئة التي خاضها ودمرت المناطق الشرقية المعروفة بالمناطق المسيحية. وأطلقت يد الجيش السوري في لبنان كله.

 

وكأنك تريد أن تقول إن كان هناك تواطؤ بين عون والنظام السوري؟

رغم أنه كان في ما سُمِي منفى, لكنه كان أكثر حضوراً في لبنان. ما يدل أن النظام السوري كان على تواطؤ معه في حرب التحرير وفي كل تلك المرحلة, فعمل على تقويته شعبياً, وأنا شخصياً أعترف بفمي الملآن, ولست نادماً على كل ما فعلت في تلك المرحلة, لأنني كنت أنفذ قناعاتي العميقة التي ترسخت لدي منذ اتفاق القاهرة عام 1969.

بالنسبة لي "14 آذار" حالة سيادية "ثورة أرز" ضد الاحتلال سواء أكان سورياً أو إسرائيلياً أو أميركياً أو عربياً أو فلسطينياً. حين كان في المنفى كان النظام السوري يعمل على تقويته مسيحياً, لأنه لمس فيه رهاناً أقوى من الرهانات الأخرى, لا أميل لحود ولا الياس الهراوي, ولا أيلي حبيقة, ولا سليمان فرنجية هم أحصنة رابحة في السباق الذي كان النظام السوري يقيمه في لبنان في وجه كل الطوائف السيادية الأخرى والتي تبلورت سياديتها وخصوصاً بعد العام 2000 بعد نداء بكركي الشهير, ثم إعلان الزعيم وليد جنبلاط إعادة التموضع, ثم تحول الرئيس رفيق الحريري إلى الحالة السيادية بشكل مضطرد.

 

هل كان النظام السوري ديمقراطياً معكم رغم أنكم كنتم خصومه؟

أنا كان مطلوباً مني كناطق رسمي باسم العماد عون وباسم "التيار الوطني الحر" ومسؤول عن التوعية السياسية أن ابذل هذا الجهد الإعلامي, وخصوصاً التثقيفي, 600 محاضرة على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة, في كل لبنان وكل جامعات لبنان, على الأقل عملت على تثقيف 20 ألف طالب في الجامعات من خلال المحاضرات. ولم أكن أتعرض لأي تخويف في ظل المخابرات السورية التي كانت طائفية آنذاك من عام 2001 وحتى عام 2005. كنت انفذ حملة إعلامية وتثقيفية ضد النظام السوري وضد ما كنا نسميه اليوم الاحتلال السوري للبنان, وكنت أسميه النظام العلوي ولم يكن أحد يتعرض لي حين أعود مثلاً من عكار بعد منتصف الليل, لم أتعرض لهاتف واحد يهددني أو لتخويف واحد. أسأل أنا الآن: لماذا لم أكن أتعرض لهذا التخويف, مع أنني كنت امارس حركة خطيرة ضد النظام السوري? هل هذا دليل ديمقراطية النظام السوري في عهد حافظ الأسد ثم بشار الأسد? لا, لأنه كان يعلم دوري وهو أن أقوي حالة ميشال عون.

 

سياسة تسمين العجول

بماذا تصف السياسة السورية تجاه لبنان؟

هو كان يسعى إلى تقوية العماد عون شعبياً وصولاً إلى انتخابات 2005 وكان ضالعاً في تقوية العماد عون وهو الذي خلق هذه الحالة الاتفاق الرباعي المسلم والعماد عون المسيحي في وجهه ليطلق على يد العماد عون شعبياً وحصل على 22 نائباً هذا هو التخطيط السوري, هذا هو نجاح النظام السوري, واعترف بهذا النجاح وكان مطلوباً مني على طريقة ما يُسمى "تسمين العجول" كي تذبح على العيد!

كان مطلوباً مني ومن سواي في "التيار الوطني الحر" أن أعزز وأدعم وأقوي الحالة الشعبية للعماد عون, ولكن في مرحلة من المراحل هذه الحالة الشعبية سيتم قطافها وسيوظفها النظام السوري حين تينع. وقد قطفها فعلاً, لم يقطفها كاملة كما جمعناها وكما حشدناها. هو اليوم يقطف نصفها على الأقل من الذين هم من رفاقي أو من تلامذتي الذين ساعدتهم على الثقافة السياسية. أراهم اليوم للأسف وكأن هناك عملية غسل دماغ لهم. لا يستطيعون أن يميزوا أين كانوا وأين أصبحوا, هم اليوم يبشرون بسياسة العماد عون, لكنهم للأسف مغمضو العيون لا يستطيعون رؤية الحق من الباطل, ولا يميزون الخطأ من الصواب. هم يصفقون للعماد عون بأنه رجل تاريخي قام بزيارة تاريخية إلى سورية ووقع ورقة تفاهم "إلهي" مع "حزب الله" ولا يدركون أنهم يذهبون بعيون مفتوحة إلى الجحيم.

أين مصلحة المسيحيين في حلف الأقليات العماد عون يحاول اليوم إنتاج حلف الأقليات للمرة الثالثة؟

 

أين مصلحة المسيحيين?

حقاً هل للمسيحيين مصلحة في حلف أقليات تمت تجربته؟

جربنا حلف الأقليات مرتين, مرة عام 1976 ودفعنا ثمناً غالياً مع النظام السوري, ومرة عام 1982 مع إسرائيل ودفعنا ثمناً غالياً جداً, ومازلنا ندفع الأثمان منذ تلك التجربتين الخطيرتين.

العماد عون للأسف اليوم يريد أن يعيد التجربة الثالثة مع النظام السوري ومع "حزب الله" وبخلفية شيعية إيرانية فارسية وبخلفية عميقة صهيونية إسرائيلية. حلف الأقليات خطير جداً على الأقليات, نحن المسيحيين دفعنا ثمنه مرتين في التاريخ المعاصر 1976-1982. يريد العماد عون في عام 2008 أن يعيد إنتاجه. إنه يدفع المسيحيين بكل شراسة وبكل خطورة نحو حتفهم الأكيد.

 

حلفاء الأولويات

في المقابل أين الحل إذا لم يكن حلف الأقليات هو الحل؟

أنا سميت البديل "حلف الأولويات." لو استعرضنا المراحل الناجحة لحلف الأولويات على المئة عام الأخيرة فنجد أن عام 1915 المسلمون والمسيحيون عُلِقوا على أعواد المشانق في ساحة الشهداء. وما كان يجمعهم هي الأولويات: الحرية والهوية اللبنانية. الهوية ضد التتريك والحرية ضد المحتل العثماني, وكانت تجربة ناجحة جداً, رغم أنها مأسوية. وأدت بالتواتر مع الزمن إلى الاستقلال. هذه تجربة أولى.

وكانت التجربة الثانية عام 1943 المسلمون والمسيحيون اتحدوا ضد الانتداب ونالوا استقلال لبنان, أما التجربة الثالثة, فمع بداية الستينات من القرن الماضي خلال عهد فؤاد شهاب حين قال لعبدالناصر رغم كل قوته العربية أن لبنان دولة مستقلة واجتمع معه في خيمة على الحدود بين سورية ولبنان. واستطاع أن يجعل للبنان حالة استقلالية في وجه أكبر دولة عربية ذات أطماع وأهداف وطموحات.

والتجربة الرابعة هي "ثورة الأرز" عام 2005. "ثورة الأرز" كانت نموذجاً حياً ونابضاً ومتحركاً وحيوياً لحلف الأولويات. أي نلتقي نحن المسيحيين مع السنة, مع الدروز, مع الشيعة المتنورين حول أولويات, ولسنا كأقليات! ليس ما بين المسيحيين والسنة والدروز والشيعة الحالة التي نشأت في عام 2005 هو حلف أقليات.

إنه حلف أولويات, "لبنان أولاً": الديمقراطية, السيادة أولاً. إذا, التقينا على أولويات. هذا هو النجاح. وحين خرجنا عن الأولويات حدث الخلل. في أكثر من مناسبة. مثلاً عام 1958 آنذاك اختلفنا على الأولويات. عام 1975 اختلفنا على الأولويات. هناك من قال إن الجيش الفلسطيني أصبح جيش المسلمين, وهناك من قال إن إسرائيل تحمينا. اختلفنا على الأولويات فكانت الكارثة.

ثم اختلفنا على الأولويات في حرب عام 2006 تلك الحرب كارثة مهما تحدثنا عن انتصارات. ثم اختلفنا على الأولويات في الاعتصام المسلح في ديسمبر عام 2006 جعلنا هناك حلف أقليات في ساحة الاعتصام بين "حزب الله" و"التيار العوني" وبتدخل مباشر من سورية وإيران في وجه أكثريتين, أكثرية سنية درزية وأكثرية مسيحية متحالفة في ما يسمى "14 آذار".

خلقوا حلف أقليات في وجه الحالة التي شكلتها "ثورة الأرز" وكان الخلل.

 

»7 مايو« ترجمة لخلل الأولويات

إذا لم تُراعَ الأولويات يحصل الخلل, كيف تُرجِم؟

وكانت الكارثة الترجمة الخطيرة له حصلت في 7 مايو الماضي وهذا دليل خلل في الأولويات. حين يكون هناك لقاء أو حلف على الأولويات في لبنان سينتصر لبنان ويصبح دولة حرة سيدة مستقلة, خصوصاً بعد الاستقلال عام 1943 ومع "اتفاق الطائف" الذي كان نموذجاً ناجحاً لحلف الأولويات.

لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه, عربي الهوية والانتماء. لبنان دولة سيدة مستقلة. حين نلتزم هذه الأولويات. هنا تكمن مصلحة المسيحيين ويصبح لهم دور يتفتحون به في محيطهم الإسلامي.

 

من يحمي المسيحيين ذات يوم من الأكثرية المسلمة إذا وجدت أن المسيحيين وقفوا مع الأقليات؟

أين مصلحة المسيحيين أن يصوروا السنة في لبنان أنهم إرهابيون, وأن سعد الحريري لا يريد لبنان بل يريد مصلحة السعودية, وأن فؤاد السنيورة هو خائن وسارق,

 

وما إلى ذلك. فكيف للمسيحيين الذين التزموا أولوية لبنان أولاً, أن يتخلوا عن هذه الأولوية؟

إذاً, في اللحظة التي يلتقي فيها اللبنانيون على فكرة لبنان, يجب أن يتكاتفوا على استمرار هذا اللبنان المتعدد. وأنا واثق بأن يذهب المسيحيون ويلتحقوا بالركب السيادي, وخصوصاً الذين مازالوا مع خط العماد وأن ينضموا إلى صفوف المنادين بأولوية لبنان, لأن لا مصلحة لهم إلا بلبنان قوي سيد حر ومعافى ونهائي.