عجائز عمشيت  أم عجائز السياسة ؟

بقلم: الياس الزغبي

 

التاريخ: ٢١ ايار ٢٠٠٩

 

جهد الزميل جهاد الزين في مقالته ( قضايا النهار 19 - 5 - 20 ) تحت عنوان " عجائز عمشيت "، لتسليط الضؤ على ما اعتبره "الخلل الوحيد" في مسار رئيس الجمهورية ميشال سليمان "المنتخب خارجيا" منذ سنة على أساس اتفاق الدوحة. وهذا الخلل هو، في رأيه، "اصرار الرئيس على لعب دور مناطقي في جبل لبنان في الانتخابات النيابية"، و" تورّطه " فيها برغم نصائح الكثيرين ومن بينهم الاستاذ الزين نفسه، كما يقول.

 

في الواقع، لم يسند الكاتب حكمه القاطع على "اصرار" الرئيس وحتمية "تورّطه" (بما للتعبير من قسوة لم تطبع كتاباته حتى الان) الى أدلة ثابتة ووقائع واضحة، الاّ اذا كانت اتهامات بعض أركان 8 اذار للرئيس بالتدخّل هي الاساس الذي يبني عليه مقولته ومقاله، وهذا خروج على مبدأ الحيادية التي التزمها، في معظم المقاربات والمحاججات. وللكاتب حق "تصديق" أو "تكذيب" من يريد، ولكنّ بناء الموقف العاقل لا يقوم على احتمالات يتم انزالها منزلة الحتميات.

 

وفي حال صحّت مسألة " الاصرار والتورّط " في استحقاق ديمقراطي يريده الليبراليون مفتوحا وحرّا، وأزعم أن جهاد الزين واحد منهم، فأين العيب في أن يكون لرئيس الجمهورية رأي وموقف، خصوصا بين اصطفافين حادّين ينذر تصادمهما باطاحة الديمقراطية، بل الجمهورية نفسها، وهل يعني "الموقع الجديد لرئيس الجمهورية والصيغة الراهنة للنظام الطائفي" جعل هذا المقام خارج السياسة وخارج التأثير وخارج الرأي والموقف وانتظام عمل الدولة كرمى لزعيم طائفة و"لأن الحالة المسيحية تجعل مشروعه للتدخّل مستحيلا " ؟! وهل أن انتخاب الرئيس بتوافق اقليمي ودولي يوجب عليه الانكفاء والصمت ويصادر حقّه الاولي الطبيعي في حرية الرأي والتعبير فيصبح أي مواطن، ناخبا كان أو مرشحا، أكثر حرية منه؟.

 

ان هذا التسليم بقدرية السيطرة ل "الحزب – الطائفة" التي أرسى قواعدها "حزب الله" بعقيدته الشمولية، وانتقلت عدواها من باب ردّ الفعل الى طوائف أخرى، ليس قدرا، ويجب ألاّ يكون، على الاقل، بين مسلّمات المتنوّرين والمثقّفين ودعاة التحديث. واذا كانت نعمة التنوّع السياسي لا تزال حيّة في البيئة المسيحية فان على الحرصاء عدم الترويج ل "حالة مسيحية" تجعل مشروع الرئيس"مستحيلا" ! ولبنان في حاجة ملحّة الى فكّ منظومة "الاحزاب – الطوائف" ومكافحة خطورتها عبر تعميم حالة التنوّع السياسي المسيحي على البيئات الاخرى، وليس العكس. وما يثير القلق هو انزلاق أهل الرأي والفكر الحر الى "تحذير" المؤمنين بالتعدّد و"نصحهم" بالعدول عن المس بأحادية الزعامات تحت طائلة "الفشل"!

 

وبقليل من المراقبة والتدقيق، يتبيّن أن أحادية الطائفة – الحزب ليست بالحدّة نفسها في كل البيئات الاسلامية كما هي في الحالة الشيعية، وهذا ما ظهر بوضوح في الائتلافات الانتخابية الراهنة بين قوى سنّية ودرزية متنوّعة من طرابلس الى بيروت والجبل، ويجب التأسيس على التنوّع (المنتشر والثري مسيحيا، والمتنامي سنيا ودرزيا) لتوسيعه الى الجنوب وبعلبك – الهرمل والضاحية بدلا من استلهام حالة الانغلاق والتسليم بها كجمهورية "ثالثة ثابتة" للبنان.

 

أمّا قول الكاتب بأن نتائج تدخّل الرئيس ستكون "هزيلة ودون حجم الرئاسة وفي حدود مقعد وحيد في جبيل" ، فانه ذو طبيعة دعائية واستباقية، وفي غربة عن حقيقة التوجّهات الشعبية في دوائر جبل لبنان عموما، وفي الدوائر غير المقفلة على حزب – طائفة، وقد تكون صدمته بليغة عندما يتعدّد "المقعد الوحيد" ويتجدّد في أكثر من دائرة.

 

وتصبح " قراءة " الزين أشد ظلما واساءة حين يتّهم الرئيس سليمان ب" الشيزوفرينيا" أي انفصام الذات، وبغلبة "ضعفه القروي" على فهمه وتطبيقه "للمعادلة التي جاءت به رئيسا"! فهل سبب كل هذا النقد "الموضوعي" عدم أخذ الرئيس بالنصائح الثمينة؟

 

في أي حال، لا يعاب على أي لبناني انتماؤه "القروي" بمعنى الانتماء الى الارض والتراث والطيبة والصدق، ولكن اذا كان الكاتب يريد نعت رئيس الجمهورية بضيق الافق وعقلية "الناطور والمختار"، وهذا ما قصده بالفعل، برغم الاشادة برصانته وذكائه، فانه يصطف، من حيث يدري ويقصد، في جبهة المنقضّين على موقع الرئاسة الممانع، بالسلم والدستور والصفاء الوطني، لتفريغ لبنان من معناه واستبداله ب" حزب – طائفة".

 

ولا يفيد النبش في التاريخ قبل ألف سنة لاستعارة رواية "عجائز سنندج" واسقاطها على الواقع اللبناني، فالسر ليس في "عجائز عمشيت" ، بل في معجزة بقاء لبنان برغم ظلم ذوي قرباه، والمشكلة هي، أولا وأخيرا، في "عجائز" السياسة والوطنية.