لائحة الـ11

بقلم/الياس الزغبي

 

صحيح أنّ الدستور اللبناني ينصّ على أنّ "عضو مجلس النوّاب يمثّل الأُمّة جمعاء ولا يجوز أن تُربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه" (المادّة 27).

لكنّ حيويّة المنطق السياسي تتفوّق أحيانا على برودة النصّ وجفافه، والضرورات الوطنيّة تُبيح المحظورات الضريرة، وتحرّك القواعد والقوانين الجامدة.

 

الانقلاب الذي نفّذه أحد عشر نائبا، خلال "الاستشارات السلاحيّة الملزمة"، على ارادة ناخبيهم قبل سنتين ونصف من انتهاء ولايتهم، يوجب فتح العيون والعقول على اطلاقيّة الوكالة التي يمنحها الناخب للنائب، وعدم الانتظار 4 سنوات للمساءلة والمحاسبة. ويحقّ للمواطن الناخب أن يشهر سؤالا حاسما في وجه ممثّله: "ماذا فعلت بصوتي؟".

 

وفي حالة الخلل السياسي والوطني الذي حصل قبل أيّام، واخلال 11 نائبا بالتزاماتهم تجاه ناخبيهم، امّا بالاكره أو بالاغراء، يمكن التفكير في معالجة الخلل باحدى وسيلتين: امّا بنصّ في الدستور أو قانون الانتخاب، وهذا غير متوافر وغير وارد الآن، وامّا بتحكيم المنطق السياسي المستقيم والحسّ الوطني السليم، وهذا أيضا غير منتظر.

 

ولكن، يبقى احتمال واحد من أجل اعادة تصويب الحياة السياسيّة واعادة نتائج انتخابات 2009 الى نصابها، هو في ايقاظ مبدأ الأخلاق السياسيّة، وفي صدمة وعي استثنائيّة تدفع النوّاب الـ11 الى تقديم استقالات طوعيّة، كي يتمّ الرجوع من جديد الى ارادة ناخبيهم وتثبيت مواقعهم الجديدة، أو سحب الوكالة منهم.

 

هذه الانتخابات الفرعيّة الافتراضيّة والبعيدة المنال، يكون من شأنها، لو قيّض لها أن تحصل، أن تشمل ثلاثة مقاعد في طرابلس، وأربعة في الشوف، وواحدا في كلّ من بيروت وعاليه وزحلة والبقاع الغربي. وليس خافيا مصير الذين خذلوا ناخبيهم، لذلك لن يُقدموا.

 

أمّا اذا أقدموا، فستتّضح حقيقة الأكثريّة الجديدة، أهي طارئة بفعل الاكراه والاغواء، أو ثابتة بفعل اقتناعات ذاتيّة. ويتّضح ما اذا كان الانقلاب جرى في خيارات الناس أو في انعطافات ممثّليهم. أليس هذا ما توجبه الديمقراطيّة التي يحاول الانقلابيّون التستّر وراءها في محاولاتهم اليائسة لايهام الداخل والخارج بأنّهم مارسوا تغييرا ديمقراطيّا، وربحوا الأكثريّة وفقا للقانون والدستور؟

 

وتعالوا نناقشهم في احتمال بسيط:

 

نفترض أنّ حالة معاكسة حصلت، وأنّ عددا من نوّاب "حزب الله" و"أمل" وعون تخلّوا عن كتلهم والتحقوا بصفوف 14 آذار، وهذا بالتأكيد غير ممكن بفعل الستار الديمقراطي الحديدي والعقيدة الفولاذيّة، فماذا يكون موقف زعماء تلك الكتل، خصوصا اذا بلغ عدد المنتقلين 15، بما يُتيح لأكثريّة الـ 71 السابقة أن تحصل على نصاب الثلثين في مجلس النوّاب؟

الجواب ليس في حاجة الى جهد كبير: في الحدّ الأقصى، يكفّرون "المنشقّين" ويرمونهم بالخيانة العظمى الى درجة هدر دمهم، وفي الحدّ الأدنى وتحت التخوين نفسه، يفرضون عليهم الاستقالة لاستبدالهم "شرعيا" ببدائل مضمونة الولاء.

 

وهنا يكمن الفرق الشاسع، بين ديمقراطيّة سلميّة مفتوحة لا تصل الى أكثر من الصدمة والعتب المرير لدى 14 آذار تجاه الخارجين على اجماعاتها والطاعنين في نضالاتها، وبين "ديمقراطيّة مسلّحة" ومقفلة تمارسها 8 آذار على نفسها وعلى الخواصر الرخوة عند سواها.

 

والمثير في ما يحصل، كيف أنّ لبنان، الرائد في حراكه الديمقراطي والمُلهم الأوّل لانتفاضات الحرّيّة التي نشهد نماذجها المتمدّدة من دولة الى أخرى، يخضع الآن لتجربة كسر ريادته، وجرّه الى اتجاه يعاكس حركة التاريخ ومنطق التطوّر وأُسس قيام الدول. هل سمعتم أنّ التاريخ يسير الى الوراء!

 

يتحرّك العالم حولنا نحو الأمام، نحو جديد ما، وفيه أقرب الدول الينا (يُمكن رصد المؤشّرات السوريّة)، وبيننا من يُصرّ على جذب لبنان الى الوراء، للقضاء على روحه ومعناه وفرادته.

معادلة مجافية لكلّ حق ومنطق واُصول، ومعاكسة لديناميّة العصر.

 

لذلك، لا يمكن أن ينجح مشروع أخذ الوثبة اللبنانيّة الى الماضي، بينما يثب الآخرون نحو المستقبل.

 

هو الزبد يذهب جفاء، أمّا ما ينفع لبنان فيمكث في الأرض.

 

٢٩ كانون الثاني ٢٠١١