عون الرويسات

بقلم/الياس الزغبي

 

رفعوا صورته في الرويسات، ونزلوا. هم ثلاثة، البعث والقومي و"حزب الله"، وهو رابعهم. والغاية "النبيلة" وفاء وولاء ودعم لنظام بشّار الأسد.

 

لا هو اعترض أو استهجن أو أدان، ولا أتباعه تجرّأوا على رفع الصوت، ولو من باب مسايرة أصوات الناخبين المصدومين في المتن، والجديدة تحديدا.

 

ميشال عون لا يعبأ بأحاسيس ناخبيه ومشاعر الناس. لقد توغّل بعيدا في ارتباطاته، وهمّه تجميل قباحات حلفائه، والتستّر على عيوبهم. والثمن المقابل معروف.

 

منذ خمس سنوات ونصف، (وفي العمق الواقعي منذ ربع قرن)، يجمع مؤيّديه على عناوين مغرية ويجرّهم الى التزامات وارتباطات مخزية. وأمام كلّ خطأ أو خطيئة لحليفه الأصفر يضرع: سبحانك ما أرفع شانك. ثمّ يخرج بتبرير مثير وصادم، بل باعث على الضحك الأسود، وهذه نماذج:

 

- في مار مخايل، وقّع على عبارة "سلاح حزب الله وسيلة مقدّسة"!

 

- بعد التوقيع بعشرين يوما كتب: "ماذا نريد أفضل من النوم ملء جفوننا وحزب الله يسهر على أمننا؟"!

 

- في سُجد، سأل: "ماذا ذهب يفعل هذا الضابط الطيّار هناك ومن أرسله؟"!

 

- في عين الرمّانة، رأى أنّ استشهاد شاب عوني "نتيجة خطأ فردي واستفزاز طرف ثالث"!

 

- في المديريّة العامة للأمن العام، أصدر فتواه النبويّة: "لا فرق بين شيعي وماروني"!

 

- في لاسا، أطلق معادلته الالهيّة: "خلاف بين أخوة على ارث"!

 

- ... وفي الرويسات، في فمه ماء، حتّى الآن، ومن أوعز اليهم بالتعليق الخجول حاولوا التستير على التظاهرة الاستفزازيّة بادانة من يستغلّها، أي تحييد المرتكب والتشهير بالمعترض. وكما في الرويسات كذلك في الرويس، تعتيم على الانفجار وهويّة القتلى، ومنع الأمن والقضاء من الاقتراب. ودولة اصلاح وتغيير يبنون!

 

ولا نحسب هنا دفاعه المستميت عن كلّ ارتكابات حليفه ضدّ غير المسيحيّين، من غزو بيروت والجبل، الى الحروب الصغيرة في البقاع وطرابلس، الى استباحة قمم السلسلة الغربيّة بحجّة "الممانعة"، الى الضرب في العدالة والمحكمة وعزل لبنان عن العالم، الى المضايقات ضدّ "اليونيفل" ورسائل التفجير في مواكبها، الى الردح في "شهود الزور" والحوار الأجوف. تسليم كامل بما تقول وتفعل المرجعيّة.

 

كما لا نحسب التصاقه الضرير بالنظام السوري، والتعلّق بأهدابه، وخطب ودّه في بعض التعيينات، ولو كان على عتبة السقوط. كمن يتمسّك بغريق لانقاذ نفسه من الغرق.

 

وما لا يقوله "حزب الله" بوضوح ينبري هو الى قوله، ككلامه "النوراني": "الممانعة والمقاومة هما مستقبل لبنان". فما الفرق بين كلامه هذا والكلام الجديد للحزب نفسه: "لا نسلّم سلاحنا الاّ اذا سلّمت اسرائيل سلاحها"!

 

وهل هناك، بعد كلّ هذا الالتصاق، من يصدّق أنّ ميشال عون يسعى الى استرجاع حقوق المسيحيّين أو سائر اللبنانيّين، طالما أنّ الأولويّة لديه مصالح "حزب الله"، وما يفيض عنها يكون من حصّته مع بطانته في الحكومة والادارة وغنائم الانقلاب. نعم، القناعة كنز لا يفنى أمام وليّ السلطة.

 

وهل من الغريب أن نجد عون يستنبط ذات يوم تبريرات وتفسيرات لجموح "حزب الله" في المتن وكسروان وجبيل، طالما أنّ "فضيلة" الصمت تربط لسانه وألسنة نوّابه أمام ضياع هويّة الضاحية وأطلال الآباء والأجداد، ومعاناة عقارات الحدث، واستفراد جزّين والتمدّد "الممانع" في تخومها، فالأولويّة لمليتا و"ليّ ذراع أميركا بعد اسرائيل"، أمّا حقوق جزّين فتفصيل بسيط ومملّ، ناهيك عن القضم البطيء في أقصى الجنوب وأعلى البقاع. ويكفي المسيحيّين هنا وهناك وهنالك "العيش بأمان"، يعملون، يروحون، يجيئون، يأكلون،.. ولا يشربون (منع بيع الكحول). ألم يُطمئنهم "القائد" الى السلاح الساهر ويَعدُهم برقاد عميق؟ "فهنيئا" للراقدين على رجاء الوعد!

اذا كان الحاضر يكشف هذه الحالة المزرية، فماذا سيقول التاريخ عن صنّاعها؟

 

الغارقون في حسابات اللحظة ومغانم السلطة لا يأبهون للتاريخ. هم عن الجغرافية وثوابتها والناس ومشاعرها لم يسألوا، فهل يسألون عن رأي التاريخ "المسكين"، بعدما حاولوا تجميده في صقيع الزمن السوري المنقرض، وتجويعه في عطش الصحراء؟

 

غالبا ما يترك القادة شيئا للأجيال، فماذا سيترك هؤلاء غير لعنة "الأنا"!

 

الاحد 31 تموز 2011