الممانعون" يسوّقون لـ"شرق أوسط إسلامي" .. ومسيحيو 8 آذار "يهلّلون" 

٨ شباط ٢٠١١

أيمن شروف

 

يقول فريق 8 آذار إن ما حصل في تونس وما يحصل في مصر، ليس سوى البداية على طريق تحويل البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، خليّة مقاومة واحدة، تنضوي جميعها تحت راية الممانعة الممتدة من دمشق إلى طهران، وبالتالي وبحسب مفوّهي الممانعة، فإن على قوى 14 آذار أن تحذر لأن الأمور تتجه إلى مكان لن تجد فيه من يتبنّى سياستها، التي طبعاً هي قائمة على التبعية لقوى الإمبريالية والاستعمار، المتمثّلة بالولايات المتحدة الأميركية.

 

بل أكثر من ذلك، يذهب البعض من فريق الممانعة إلى حد "التبشير" بنظام عربي جديد، يستند في ما يقوله إلى "اللاشيء". يكفي أن يخرج مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران ليتحدث عن أمة إسلامية وشرق إسلامي على وشك الظهور، ليكون لهؤلاء في الداخل اللبناني الحجة في تبشيرهم لهذه التحوّلات الحاصلة.

 

لهذا الواقع خلفيات متعددة، والكثير من الدلالات. في الخلفية، من الواضح أن سياسيي 8 آذار يدأبون على وضع كل متغيّر يحصل في خدمة حملتهم على قوى الاستقلال بوصفها مناصرة للمشروع الأميركي، وبالتالي يتمسّكون بما أمكن من مسائل قد لا تعني الواقع اللبناني ليقولوا إن مشروع 14 آذار إلى هلاك.

 

المثال على هذه السياسة، ربط "ثورة الياسمين" في تونس التي قامت من أجل لقمة العيش ورفض الطغاة، بما يقوم به فريق "المعارضة الوهمية" في لبنان. علماً أن هذا الواقع لا ينطبق على ما يحصل في بيروت إلا على الحزب الحاكم وأتباعه، فهم من يحكمون بالأمر الواقع، وهم من يعطلون.

 

هذا في الخلفية، أمّا في دلالة ما يقولونه، فمن الواضح أن ما يحصل في المشرق العربي ليس بالأمر "العابر"، لا في الشكل ولا في المضمون، فأن يخرج مواطنون عاديون في عواصم عدة، ويفرضوا ما يريدونه على "الحكام"، متسلحين بقوّة الإرادة، هو سابقة في هذه المجتمعات التي اعتادت الشمولية، ونظام الحزب الواحد والحكم الواحد، وبالتالي هذا "التبشير" الـ"8 آذاري" لا يعدو كونه محاولة كسب عطف هذه الجماهير واحتضانها، كي لا يزهر الياسمين في بيروت على غرار ما حصل في العام 2005.

 

يعلّق أحد السياسيين على ما يقوم به بعض الأفرقاء في لبنان، تفاعلاً مع ما يجري في القاهرة، بالقول: هناك في لبنان من اعتاد التنظير في كل الأمور، وما نشهده في مجالس وإعلام فريق 8 آذار أمر غريب بكل ما للكلمة من معنى، هو ينطبق على ما يفعلونه في سياستهم الداخلية. في لبنان مثلاً، يعطلون ويهددون، ويخرجون عن الدولة ومؤسساتها، ثم يتهمون الخصم السياسي بكل هذه الأمور. هكذا هم اليوم، ينظرون إلى الشعوب العربية ويهللون للحرية التي ينتزعها هؤلاء الشباب، وفي الوقت نفسه، لا تجد في بيئتهم شيئاً من الديموقراطية أو من الحرية.

 

على أي حال، لقد تبنّى هذا الفريق نظرية الإمام الخامنئي بـ"شرق أوسط إسلامي". ذهب البعض من القوى المسيحية في 8 آذار، ليقول إن هذا الأمر هو "منقذ للمسيحيين" (!). قد يكون هذا التحليل العظيم لا يستحق التعليق، إلا أنّه من الظلم تعميم هذه النظريات "الخرافية" على شارع مسيحي لا يمكن له أن يعيش إلا بالتنوع والانفتاح على الآخر، وبالأخص أن من صدر عنه هذا الكلام يتعاطى كل شيء ما عدا السياسة.

 

بالمجمل، يبدو أن الشارع المسيحي لم يتفاعل مع كلام "مرشد الثورة"، بل لم يكترث له. يبقى قلّة ممن تصدوا للدفاع عن هذا الكلام. هؤلاء قرّروا منذ خمس سنوات، بعد توقيعهم على ما يسمى "وثيقة التفاهم" في مار مخايل، أن يكونوا جنوداً بواسل في تعميم أفكار وسياسات غريبة وجديدة على الشارع المسيحي، لا بل على اللبنانيين ككل.

 

يقول المحلل السياسي الياس الزغبي إن "المسيحيين في 8 آذار لا يملكون الحس المسيحي السياسي الصحيح، النابع من انتماء المسيحيين في الشرق إلى بيئتهم السياسية الواسعة، وهم ينطلقون من مصالح طارئة وعابرة وليس من أسس دائمة وثابتة".

 

يضيف: حين ننظر إلى مصلحة المسيحيين من زاوية الأنظمة القائمة، تكون النظرة محدودة ومؤقتة، لذلك يجب النظر إلى وضع المسيحيين من زاوية البيئة الاجتماعية والشعبية والسياسية، ولكن الأشد سوءاً في نظرة مسيحيي 8 آذار، أنهم لا يرون في المسيحيين سوى التابعين لنظامين فقط، وحين يتحدثون عن المشرقية المسيحية لا يخطر في بالهم سوى المسيحيين في هاتين الدولتين، بينما الانتشار المسيحي هو أوسع من ذلك بكثير.

 

وبالتالي، فإن النظرة الشاملة لهذا الواقع يُسقط نظرية 8 آذار الذين يحجّمون القضية المسيحية إلى مسألة العيش فقط، وهنا تتقدم عندهم فكرة الحماية المادية ويغيب عن بالهم كل ما له علاقة بالفكر والثقافة، يقول الزغبي ويضيف: ليس المهم أن يحمي النظام السوري المسيحيين في حياتهم اليومية من أجل مصلحته كنظام أقلّوي. المهم أن يكون لهم حضور وازن في إدارة الدولة وليس بالتبعية للنظام. لذلك نراهم لا يتحركون لقضايا الحرية والعدل والمساواة في هذين النظامين، ولم يحركوا ساكناً حين طالب الشعب الإيراني بحريته وكأن أحرار إيران هم غيرهم أحرار تونس ومصر.

 

بالنتيجة، فإن أسوأ ما يصاب به مسيحي مشرقي، هو فقدانه شعور العدالة والحرية، فيحاول الكسب السياسي الطارئ على حساب المسائل الكبرى، لذا فإن مسيحيي 8 آذار هم في موقع المستتبعين لقرار راعيهم الأوّل، أي "حزب الله"، ولا يتنبهون إلى أن هذا الحزب هو ديني، ويقوم على عقيدة ولاية الفقيه، يختم الزغبي.

 

هذا في الواقع المسيحي، أما في واقع الممانعين بشكل عام، فإن الظروف ليست أفضل بكثير، فمن دعا إلى شرق أوسط إسلامي، قوّة إقليمية لم تترك لها حليفاً في هذا الشرق سوى سوريا، وعليه، تبقى هذه الدعوة مثار جدل لدى عرب الاعتدال، الذين يحاذرون الغوص في مثل هذه التفاصيل، لأن ما قاموا به من جهد في السنوات الماضية، لتحييد الإسلام عن ما يُسمّى بالإرهاب، لم يكن بالشيء السهل، وفتح قنوات على المجتمعات الغربية، بما عُرف حوار الحضارات، من المستحيل، أن يُحدد اليوم بشرق إسلامي، ليس فيه للتنوع الطائفي وبالتالي الثقافي أي مكان.

 

في أحد المجالس السياسية، طُرح موضوع ما يحصل في العالم العربي من باب "نقزة" قوى 14 آذار من هذا الأمر ومتابعتها الدقيقة لما يجري، ليختصر أحد "المخضرمين" السياسيين المتواجدين في هذه الجلسة الأمر بتحليل خاص، هو الأقرب إلى الواقع، يقول فيه:

 

عندما بدأت انتفاضة الاستقلال في لبنان، كانت المجتمعات العربية تراقب ما يحصل، وتشهد على الإنجاز التاريخي الذي قام به اللبنانيون. حينها لم يبادر هؤلاء إلى ملاقاة ربيع بيروت، بل من لاقاهم هم الإيرانيون، فالثورة الخضراء كانت امتداداً لما شهده لبنان، وتأخرت ظروف الانتفاضة أو الثورة لتنضج في البلدان العربية، نظراً لطبيعة شعوبها وواقعها المعاش.

 

أما اليوم، وبعد أن تراجعت حدة الثورة في طهران، ومع تلك المشاهد البطولية التي يقوم بها الشباب العربي، إن أكثر من يعيش قلق انتقال عدوى الحرية إليه، هو النظام الإيراني، لأن الأنظمة المهزومة في شوارع مصر وتونس، هي نفسها وشبيهة إلى حد كبير بتلك الديكتاتوريات القائمة في بلاد ما يسمّى بالممانعة، ولذلك على الجميع أن يبقي عينه على "الثوار الخضر".

 

يتابع هذا السياسي ليقول: في الأنظمة الشمولية، يتعاملون مع كل متغيّر من حولهم وكأنه لمصلحتهم مع علمهم بأنه ليس كذلك على الإطلاق، الهدف مما يقومون به، هو احتواء الجمهور بأقل قدر ممكن من الخسائر، وبالتالي إعلاء شأن الجمهورية لدى المجتمع منعاً لانقلاب هذا المجتمع على الأشخاص وليس على الجمهوريات، وهذا منطق عفا عليه الزمن، وليس لنا سوى أن نراقب المقبل من الأيام..

 

من تونس إلى مصر، لم يكن هناك شعار واحد ضد القوى الإمبريالية التي يحاربها فريق 8 آذار، لأن ما يبحث عنه هؤلاء هو الحرية والديموقراطية. هذان المولودان الجديدان في القاهرة وسيدي أبو زيد، المفقودان في بلاد الممانعة، ولدى من يتحالف معها في لبنان.

المصدر : المستقبل

 

 

2/8/2011