أوراق أيلول

بقلم/الياس الزغبي

 

أوراق كثيرة لا تنتظر تشرين، كي تسقط في خريفها الطبيعي. بعضها يتناثر في أيلول، على الطريق بين بيروت ودمشق. وهناك أكثر من حلقة ربط ووصل بين الحكومة هنا والنظام هناك. نظام الأسد يواجه أسابيعه الأخيرة الحاسمة. وحكومته، في فرعها اللبناني، تواجه أيلولها "الأسود". هو أمام انتظام متزايد للقوى التي تعارضه، وتكامل حلقات المراقبة والمحاسبة الدوليّة، وسلوك جرائمه طريق المحاكمة الجنائيّة.

 

وهي أمام استحقاقين، على الأقل: قرارات الأمم المتّحدة عن سوريّا، وتمويل المحكمة والتزام اجراءاتها. واذا كان النظام السوري يحتمي بمصالح روسيّا والصين، كي يُطيل عمره بضعة أسابيع أخرى، فانّ حكومته "اللبنانيّة" لا تستطيع الاحتماء بهذا الغطاء، ولم يعد أمامها الكثير من أساليب الهرب الى الأمام، والمناورة، أو الرقص، على الصفيح الحار للاستحقاقات.

 

من يسمع تصريحات الرئيس ميقاتي، تحت تأثير مناخ باريس، يفرح. ومن يسمع تصريحات من أتوا به، يحزن. هو يعلن احترامه الشرعيّة الدوليّة والتزام ما يُصدره مجلس الأمن في وجه النظام السوري، وتمويل المحكمة الدوليّة. وهم يجاهرون بالتصاقهم بالنظام وأبلسة المحكمة، بل أسرلتها. فهل يوافقون على قرار دولي ضدّ الأسد، وعلى تمويل اسرائيل؟

 

هو يقول انّه الناطق باسم الحكومة، وفقا للدستور. وهم يقولون انّ القرار تتّخذه الحكومة بالتصويت والأكثريّة، وفقا للدستور أيضا. والمفارقة أنّهما يلوذان بالدستور الذي اغتالاه ذات فجر أسود.

 

هو، له النطق وحقّ التصريح. وهم، لهم حقّ القرار بأكثريّتهم المقتنصة. لديه كلام. لديهم أفعال. والتجربة تُثبت النتيجة: سقط كلام ميقاتي على عتبة مجلس الأمن ، فـ"نأى" لبنان بنفسه عن بيان ادانة نظام دمشق. وسقط، مرّة ثانية، على عتبة الجامعة العربيّة، فوقف لبنان في وجه العرب كرمى لعينيّ وليّ نعمة أكثريّتهم. وسيسقط حكما، مرّة ثالثة، حين يصوّت مجلس الأمن ضدّ القمع السوري، ومرّة رابعة، حين يصوّت مجلس الوزراء ضدّ تمويل المحكمة. وميقاتي يبحث عن الحجّة منذ الآن: في مجلس الأمن، التصويت شيء والالتزام شيء آخر. وفي مجلس الوزراء، هذه هي الديمقراطيّة وحقّ التصويت!

 

فهل تبقى أمام ميقاتي مرّة خامسة لممارسة هوايته في اختراع المهارب، أم تكون المرّات الأربع كافية لأخذ العبرة والموقف؟ في مسألة أقلّ دقّة وخطورة، هي عقدة الكهرباء، يكاد يُفلت الزمام من يده، فكيف أمام قضيّتين بحجم المحكمة والقرارات الدوليّة؟

 

اذا صحّ أنّه خرج سالما، حتّى الآن، من المطبّات البسيطة أو التجريبيّة، فكم ستُسعفه مظلاّته الهوائيّة على المطبّات الجدّيّة  الخطيرة، وعلى القفز في الفراغ؟

 

ليس من المتوقّع أن ينقلب "حزب الله" على نفسه، أو يخرج السيّد حسن نصرالله على الناس شاهرا موقفا جديدا من المحكمة ومن النظام السوري، مع الأولى وضدّ الثاني.

 

واذا فعل، فقط لانقاذ الحكومة وميقاتي، يكون أسقط كلّ عقيدته وسياسته وماضيه وحاضره.. ومستقبله. ولا مجال للمقايضة بين مصير متحرّك (ميقاتي)، ومصير ثابت (المقاومة والممانعة)! في الأجسام العقائديّة الأمنيّة، لا مجال لهذه الانقلابات. الانتحار ولا الاقرار. النار ولا العار!

 

وفي هذه الحال، ماذا يفعل ميقاتي؟ ليس في جعبته خيارات كثيرة، فمرحلة اللعب على الحبل المشدود انتهت، وآن أوان السقوط: امّا سقوط دراماتيكي ينتهي بحطام، وامّا سقوط  في حاضنة تُنقذ شيئا من حياته السياسيّة. وهذه الحاضنة ليست سوى بيئته وطائفته، على قاعدة الفرز الحادّ الحاصل منذ سنوات. واذا لم يكن من السقوط بدّ، فمن الخطأ الجسيم أن يكون مع الساقطين دراماتيكيا. وأمام ميقاتي فرصة للسقوط منفردا، كي يبقى له اسم على القيد السياسي. وما سوى ذلك، فانهيار خالص!

أوراق أيلول بكّرت في اليباس، والشاطر من يحافظ على ورقة نديّة واحدة، قبل عاصفة تشرين.

 

الاحد 4 أيلول 2011