تشرين قريب
بقلم/الياس الزغبي

دخل لبنان وسوريّا في "تجربة النَفَق".

اتجاه واحد غير مرتدّ، يندفع فيه حلفاء "الممانعة" نحو مصيرهم المحتوم، بعدما فقدوا خطّ الرجعة وأقفلوا نوافذ النجاة.

في لبنان، كما في سوريّا، ووراءهما ايران وبعض العراق، ظهورهم الى الحائط ووجوههم الى النفق المقفل. معهم فقط رهائن مسكينة، من ناس ومال وسلطة وسلاح، وتعاويذ ومنادل وأوهام.

لم يعد لديهم مادّة للتفاوض، ولا بضاعة للمساومة والمقايضة. فلا رهائن النفق، خصوصا الناس، قابلة للانقاذ، ولا المال والسلطة والسلاح ذات قيمة فعليّة، ولا الأوهام تصلح للبيع.

أمّا محاولاتهم الالهائيّة، من سيناء، الى غزّة، الى الحدود التركيّة، الى عبوات لبنان، فاشارات الى تخبّط اليائسين.

والخطورة هي في النزعة الانتحاريّة، في الشمشونيّة الحديثة التي تحكم "حزب الله" والنظام السوري بتشجيع ودعم من ولاية الفقيه. فانتحاريّو النفق لا يأبهون للعتمة، طالما أنّهم صاعدون الى  "الجنّة"، ولو بالسلاسل.

ولكنّ المأساة هي في مصير الرهائن، ليس فقط التي داخل النفق من أهل الحزب والنظام، بل التي خارجه، أو تتوهّم أنّها خارجه، وتظنّ أنّها مجرّد حليفة ظرفيّة لهما، تستفيد من الوهج والظلّ والحماية، لا يسري عليها فعل الانتحار، وتستطيع النأي بنفسها عنهما في لحظة الانهيار.

والحقيقة أنّ الرهائن تشكّل حالة واحدة. لا مفاضلة بين داخل وخارج، ولا مجال للمناورة بهدف التمايز. فلا التلويح بالخروج من الحكومة في لبنان يُنقذ صاحبه من التزامه القاتل، ولا محاولة وجوه من النظام السوري وحلفائه اللبنانيّين السكوت أو الترقّب، تُعفيها من مسؤوليّة المذبحة.

والمفارقة أنّ هؤلاء ما زالوا يظنّون أنّ رقصهم على حافّة الهاوية ممكن، وأنّ سواهم سيقع.

ألم يقل أحدهم قبل بضعة أيّام: انّ 13 تشرين هو لغيره هذه المرّة!

هو يعتقد، ببساطة الملهَمين، أنّ نظام الأسد سيخرج أقوى وأصلب من أزمته، وسيرتدّ على لبنان بعمليّة عسكريّة شبيهة بعمليّة 1990، ولكن ضدّ خصوم هذا المُلهم، هذه المرّة.

وبعد 21 سنة، انّ 13 تشرين لناظره قريب!

ألا يستطيع اللبنانيّون الانتظار 52 يوما للتأكّد من نبوءة هذا الرؤيوي الاستثنائي الذي جاد به التاريخ على لبنان؟

يقضي المنطق السياسي بأنّ الانتظار سيأتي بنتائج معاكسة للنبوءة العاطفيّة، فليس في سنّة التطوّر، ولا في منطق الحياة، ولا في قواعد نشوء الأمم وحركة المجتمعات، ما يعني أنّ التاريخ يسير الى الوراء.

وحده "تاريخ" الدائرين حول ذواتهم، يتجمّد ويتقهقر. وفي السجلّ السياسي العربي والعالمي، القديم والحديث والمعاصر، ما يؤكّد اندثار الأنظمة المغلقة، وانكسارالأشخاص الممتلئين بنزواتهم والمهجوسين بـ"الأنا".

أحيانا قد تغفل حركة التاريخ عن منتهزي الفرص، لكنّها غفلة عابرة تعود بعدها الى الانتظام.

أبناء الغفلة هم اليوم في غمرة السكرة، ومن الصعب أن يصحوا قبل تشرين.

هل في استطاعتنا حقنهم بمادّة يقظة سحريّة؟

منذ سنوات ستّ ونحن نحاول. بعضهم استجاب فشفي، ومعظمهم أُصيب بمسّ غير قابل للشفاء.

وعيوننا على النفق، بمن وما فيه، وعلى تشرين القريب، لعلّ أعجوبة تنتشل من يستحق.

الاحد 21 آب/2011