الرهان<ام البطريرك الراعي قبل فترة وجيزة (الى أن يثبت العكس مع دنوّ الاستحقاقات الفاصلة).

 

هذا الفريق يعتمد تفسيرا طوليّا أُفقيا، أو سطحيا مبسّطا لما يجري في سوريّا، آخذا، بدون نقاش، بمقولة أنّ نظاما ديكتاتوريّا قائما أرحم للمسيحيّين من نظام أصولي اسلامي آت. وخطأه الجسيم أنّه ينطلق ممّا يعتبره "مسلّمة" في وصول الاسلام السياسي المتشدّد والمتزمّت الى الحكم.

 

وفي هذا "التسليم" الساذج ترويج، من حيث يدرون أو لا يدرون، لنهج نظام الأسد في تخويف الأقليّات من أيّ حكم يأتي بعده. وقع هذا الفريق ضحيّة الوهم بما يُسمّى تقاوي/span> الخاسر

بقلم/الياس الزغبي

 

 

لم يعد خافيا أنّ هناك رؤيتين أو قراءتين، في البيئة المسيحيّة عموما، والمارونيّة خصوصا، حول الحدث العربي المتمادي والتطوّرات العربيّة السوسيو – سياسيّة، وتحديدا في سوريّا.

 

وليس سرّا أنّ الفريق المسيحي المرتبط بالنظام السوري منذ 40 عاما، استقوى بالانضمام العلني للعماد عون اليه قبل 6 سنوات (بعد انخراطه فيه سرّا وفعلا منذ ربع قرن)، ثمّ انضم الأقليّات أو تحالفها "Synergy" ، وقد جرّبه المسيحيّون ودفعوا ثمنه غاليا، سواء مع النظام العلوي أو مع الاسرائيليّين.

 

فالأقليّة الأقوى، تسليحا وتنظيما، تُهيمن على الضعيفة وتستخدمها في مصالحها وحروبها، وتُصبح أسوأ من أيّ أكثريّة اخرى. أليست هذه هي حقيقة تجربة المسيحيّين، بنتائجها الكارثيّة ومآسيها، مع حافظ ثمّ بشّار الأسد، وكذلك مع اسرائيل؟ وهل ستكون التجربة الثالثة التي ينزلقون اليها، مع النظام نفسه ورديفه "حزب الله" وخلفيّته الايرانيّةالاسرائيليّة، أقل سوءا وخطورة؟!

 

أمّا الفريق الآخر، الذي أدرك بعمق معنى التغيير الجاري في العالم العربي، ولاسيّما في سوريّا، فهو يُرسي قراءته على ثوابت التاريخ وحركة الشعوب، ويرى أنّ الانخراط في في الثورات العربيّة يعزّز مكانة المسيحيّن ويُبقيهم أُمناء على تراثهم في الانفتاح والتجديد واطلاق النهضة، كما فعلوا دائما منذ البلاط الأموي، وحركة التنوير والعلوم في العصر العبّاسي، الى نهضة القرن التاسع عشر، الى تقديم لبنان نموذجا للتفاعل الانساني والحريّات والديمقراطيّة في القرن العشرين.

 

ولا يجوز التستّر وراء الارشاد الرسولي للبنان وللشرق، كي نبرّر الارتباط بنظام الأسد. فالارشاد لا يحضّ المسيحيّين على التفاعل مع السلطات القائمة فقط، بل، وفي الأساس، مع المجتمعات، أي الشعوب. فهل نتعامى عن معاناة الشعب السوري وحقوقه بحجّة الارشاد، وأين مصلحة المسيحيّين في التمسّك بنظام محكوم بالزوال عاجلا أم آجلا، واستعداء أكثريّات ستستعيد دورها وحقوقها وموقعها في أيّ لحظة؟ المسيحيّون ليسوا عشيرة بيولوجيّة. انّهم خميرة حضارة وأهل فعل ورسالة.

 

واذا كان الخوف من التطرّف هو فعلا ما يُملي على جماعة النظام تمسّكهم به، فماذا فعلوا ويفعلون لمنع التطرّف من التمدّد والتوسّع؟

 

حين يتخصّص زعيم  سياسي"مسيحي" بمحاربة الاعتدال السنّي بوجهيه: رئيس حكومة سابق ورئيس راهن، ويتولّى عمليّة الحفر المنهجي للضرائح، ويحشو أذهان أتباعه المساكين بحقد أعمى على طائفة بعينها، وأعيانها في السياسة والادارة، ويهلّل لانتصارات وهميّة في وجهها.

 

وحين يتحدّث مرجع روحي مسيحي عن استقواء سنّة لبنان بسنّة سوريّا، طالبا فترة سماح لنظام أقلّوي، وينقل تبريرات ضعيفة غير محدّدة لسلاح مذهبي خارج الدولة الى مراجع دوليّة.

 

تكون هذه المواقف بمثابة تشجيع للتطرّف وتأجيج له، ويُصبح دور المتنوّرين المسيحيّين ضروريّا وملحّا لتصويب البوصلة، ليس لانقاذ القيادات من حساباتها الخاطئة، بل لتجنيب المسيحيّين، والموارنة تحديدا، دفع فواتير أخطاء هذه القيادات.

 

وما يُثلج الصدر، أنّ قيادات مسيحيّة وازنة، وانتلجنسيا فاعلة، تقف بصلابة في وجه الشطط السياسي، وتنسج علاقات عاقلة وهادئة مع المكوّنات الأساسيّة الآتية حتما الى الحكم في سوريّا، والعائدة الى دورها في لبنان، من خارج معادلة: أكثريّة – أقليّة، بل على قاعدة العلاقات المدنيّة والمواطنيّة، وتحالف الأهداف والقيم والأولويّات. ظاهرة "حزب الله" غير ثابتة، فالزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الأرض.

 

ليت بعض قادة الموارنة يلتزمون بالبيان الرسمي الذي صدر عن قمّة الراعي – هزيم في البلمند. فقد وضع الكثير من الماء في نبيذ بكركي. على أمل أن يبقى الماء في نبيذ قانا والجنوب، بعدما غاب عن نبيذ بعلبك.

 

وليتهم يقرأون بيان نائب الجماعة الاسلاميّة في لبنان لجهة التزام مبدأ المواطنة، ونبذ الذميّة التي طواها الزمن.

 

ليتهم يُدركون اذذاك أنّ الاسلام السياسي يتحوّل أيضا، ويُضيف ماء الى ماضيه، وليس صعبا التعامل والتفاعل معه، بعدما تفاعل هو نفسه مع قيم العالم الحديث.

 

هم مدعوّون للخروج من عقدتهم التاريخيّة، وعدم الحفر في هواجس المسيحيّين وتعميقها.

 

الحفر يعمّق الهوّة، بينما المطلوب ردمها.

 

الاحد 25 أيلول 2011