القوّة العارية

بقلم/الياس الزغبي

 

حين يبلغ المرء حالة التعرّي، يكون قد سقط التحفّظ الأخير، وتبدّد الاحساس بالخجل.

 

"حزب الله" بلغ هذه المرحلة بنفسه، وسبقه اليها حليفه المصطفى، بعدما كان قد وضعه في الواجهة سنوات، وتستّر وراءه في اعلان الخطط والنيّات.

 

اليوم، لم تعد هذه الواجهة تكفي "حزب الله"، ولم يعد ينفعه أسلوب الرسائل الشديدة "الوقار" التي تطيّرها "الرابيه" يمنة ويسرة، فقرّر أخذ مأزقه بيده، والمواجهة بقوّته العارية، وبالطريقة المباشرة التي نفّذ خطوتها الأولى بالواسطة النسائيّة بتدبير الهي باسم "الأهالي"، قبل اللجوء الى الرجال.

 

نحن، اذا، أمام المرحلة الأخيرة من مشروع "تغيير وجه لبنان" كخطوة لازمة وضروريّة لتغيير وجه المنطقة، في اطار قيام "جبهة مقاومة الشعوب" التي أطلقها الرئيس الايراني أحمدي نجاد من منبره وأرضه في الضاحية والجنوب.

 

لم يعد هناك همّ الاسم والشهرة والصيت والصورة، ولا موجب للاكتراث للأصول واللياقات والعلاقات بين القوى والمرجعيات والمكوّنات اللبنانيّة، فالمسألة بلغت خواتيمها، ولا مجال للترف السياسي والحوار والوقوف على الخاطر واحترام التوازنات.

 

كلّ شيء بات الآن ممكنا: تهديد الدولة والناس، "تأديب" القضاء اللبناني والدولي، وضع الرئاسات والوزارات والادارات تحت الأمر الواقع، اعلان "الأمر لي" في الضاحية وكلّ الضواحي الخاصّة، هدر دم من يؤيّد المحكمة الدوليّة ويتعامل معها، بعد تصنيفه عدوّا اسرائيليا.

 

ووجه الخطورة في معادلة السيّد حسن نصرالله، أنّها تصنّف أكثر من نصف المسؤولين اللبنانيين عملاء، بدءا من الرئاستين الأولى والثالثة (وربّما الثانية!)، وصولا الى النوّاب والوزراء والقضاة والضبّاط، وكلّ من يحترم التزامات لبنان الدوليّة، وكلّ من يرفض اقفال بابه في وجه العالم.

 

ويشمل التهديد كلّ من كتب وتكلّم وفكّر وتأمّل وهمس في سرّه وسريره وبين جدران غرفته.

 

لقد ختم "حزب الله" الأفواه والأقلام والأحلام بالشمع الأحمر، قبل أن يعمد الى ختمها بالأحمر الآخر. ولم يعد يحتمل كلاما غير الكلام الذي يبثّه في وسائله، ولم يعد يسمع الاّ صدى صوته. 

 

انّها مرحلة القوّة الصافية التي انقرضت نماذجها بين "الغوستابو" و"الكولاغ" و"السافاك"، ولم يبقَ منها سوى نُسخ مشوّهة من الحرس والعسس الحديث، بين أفريقيا ووسط آسيا وناحية معزولة من نواحي أميركا اللاتينيّة.

 

والمثير في هذه المسألة، أنّ لبنان الذي سبق سواه الى تقديم نموذج ديمقراطي منفتح ومتعدّد، يقدّم اليوم نموذجا مغايرا من الانغلاق والتعسّف. وهي من المرّات النادرة التي ينقلب فيها التطوّر الى عكسه، لأنّ منطق التاريخ هو السير نحو الأمام وليس التقهقر الى الوراء.

 

قد تحدث انتكاسات في مجرى التاريخ، وقد تحصل ارتدادات أو ثورات الردّة، ولكنّها تظلّ مجرّد فورات أو طفرات أو زفرات، سرعان ما تزول وتطويها حركة التقدّم، بعد أن تترك ندوبها العميقة في المجتمع وذاكرة الناس.

 

وليت "حزب الله" يدرك أنّ حركته الانقلابيّة الحاصلة لن تكون أكثر حظّا من مثيلاتها في الماضي القريب والبعيد، وقد أشرنا اليه مرارا أنّه قد يربح معركة، لكنّه حتما سيخسر الحرب، ليس فقط لأنّ لبنان عصيّ على الأحاديّات، ولا يُسلس قياده بسهولة، بل لأنّ الثبات في وجه منطق النشوء والارتقاء غير ممكن، والسير الى الوراء يُنهك صاحبه.

 

هذا النموذج من القوّة العارية الذي يعرضه "حزب الله" يشكّل خطرا عليه قبل سواه.

 

في الواقع، انّ ضعفه يكمن في قوّته، تماما كما كانت قوّة لبنان في ضعفه.

 

فمتى يُفيق من غفلته، ويحاذر الانزلاق الأخير.

 

الاحد 31 تشرين الأول 2010