لائحة الشرف – 2 
بقلم/الياس الزغبي

 

سنستولي على السلطة بأيّ ثمن، وبأيّ وسيلة. هذا ما يقوله ويفعله الانقلابيّون، بلا تردّد أو تحفّظ، وبدون أن يمضغوا تهديداتهم. حسمت ثلاثيّة دمشق – طهران – الضاحية أمرها في خوض ديمقراطيّة ما بعد ما بعد الحداثة: ديمقراطيّة الترهيب. وأنذرت مجموعة نوّاب رماديّة بالصباغ الأحمر، وقادتهم الى جنّتها بالسلاسل.

 

لا أحد يحسد بضعة نوّاب على الأصفاد التي وُضعت في أرجلهم وأيديهم، ولا صدمة ممّا أصابهم من وهن سياسي ووطني، طالما أنّهم يأخذون بالمثل القائل: ألف مرّة جبان ولا مرّة واحدة الله يرحمه! ليس لمثل هؤلاء ينحني اللبنانيّون احتراما، بل يرمقونهم بنظرة شفقة وعتب، ويرشقونهم بسؤال بسيط: ماذا تفعلون بأصواتنا، الى أين تأخذون وكالتنا؟

 

معظم هولاء دوّنوا أسماءهم في سجلّ الشرف الوطني سنة 2004، وانتسبوا بشجاعة مشهودة الى لائحة الشرف النيابيّة التي تمرّدت على قرار الوصاية الخطير آنذاك بالتمديد المشؤوم. فما بالهم اليوم يلعقون تواقيعهم، ويتنكّرون للائحة الشرف الجديدة التي لا تقلّ في تاريخيّتها عن الأولى، بل تفوقها أهمّيّة ومسؤوليّة، لأنّ لبنان على منعطف أن يكون أو لا يكون.

 

لائحة الشرف الأولى كانت للحدّ من الوصاية، ولتأسيس الاستقلال الثاني. اللائحة الثانية اليوم هي لمنع عودة الوصاية نفسها بأسوأ من ماضيها، لأنّها تعتمد تغليب طائفة على طوائف، وحزب على أحزاب، وفكر منغلق على عبقريّة التنوّع وفرادة القيمة اللبنانيّة.

 

اللائحة الأولى ضمّت 29 نائبا حرّا، أصبحوا بعد سنة 72 في انتخابات 2005، ثمّ 71 في انتخابات 2009 (والثاني والسبعون جاء بأصوات الاستقلاليّين، طلال ارسلان ليس سواه، والرقم كان مرشّحا للارتفاع لولا الترهيب المنهجي والتركيب الغريب). الحريّة تتّسع والأحرار يتكاثرون، ونعمة الاستقلال الثاني أمانة بين أيديهم، فكيف يسقط في تجربة التخلّي عن هذا الانجاز خمسة أو أكثر، وماذا ينتظرون من حكم الناس والزمن والوطن والتاريخ؟

 

وليس من باب التحذير أن يُقال لهؤلاء المرتدّين: ليس في انتظاركم تكريم مميّز، بل ترحيب أصفر ممزوج بشماتة مكتومة، تخسرون أنفسكم ولن تربحوا مستقطبيكم، ولعلّكم لا تنسون أحد أمثالنا الجبليّة الجميلة (ومعظمكم من أهل الجبل الأصيل): من يخلع ثيابه يبرد. فالى أيّ صقيع أنتم ذاهبون!

 

وماذا لو خيّبت نتائج الاستشارات، اذا سمحوا باجرائها بفعل التوجّس، حسابات أهل الانقلاب في الداخل والخارج، فعجزت ضغوطهم وانذاراتهم عن جمع النصف أو أكثر، وهذا مرجّح بقوة؟ الأكيد أنّهم سيلجأون الى قوّتهم العارية، الى السلاح. والوسيلتان، استجماع الأصوات والسلاح وجهان لعملة واحدة، وهذه العملة ليست سوى الاستيلاء على ما هو أعلى من السلطة، الدولة. مشروع قديم يسبق المحكمة واللائحة الاتّهاميّة. المشروع تغيير وجه لبنان وادخاله نهائيّا في المنظومة الايرانيّة، أمّا المحكمة فتصبح "ساقطة عسكريا"، في ظنّهم، ومنتهية حكما بعد فصل لبنان عنها.

 

إذا، نحن أمام انقلاب بوجهين، اذا نجحت "الديمقراطيّة المسلّحة" أو ديمقراطيّة العصر الايراني – السوري القائمة على "الوعد" بالموت، يتمّ الاستيلاء على المؤسّسات "سلميا"، واذا خذلتهم أصوات الاستشارات يذهبون الى زينتهم التاريخيّة ووسيلتهم "المقدّسة"، ولا يبالون ما اذا كانت التسمية حربا أهليّة أو فتنة أو انقلابا دمويا.

 

ولكن، مهلا، هل من يرشّ على عيون هؤلاء المغامرين ماء باردا كي يستيقظوا قليلا؟ فلعلّهم يُدركون أنّ الحياة، وليس الموت، قدر لبنان، وكم مرّة خرج من ركامه، ونهض من تحت أنقاضه.وربّ راو من رواة الشعر العربي، يُعيد على مسامعهم بيت أبي الطيّب: "كم قد قُتلتُ وكم قد متُّ عندكمُ   ثمّ انتفضتّ فزال القبر والكفنُ".

 

السبت 22 كانون الثاني 2011