حديث الرئيس العماد عون الى صحيفة المحرر نيوز23 في كانون الأول/29 كانون الأول

 

حديث الرئيس العماد عون الى صحيفة المحرر نيوز - 23 كانون الأول 2005

موقع التيار 29 كانون الأول 2005

رجل مختلف. هذا ما يقوله عنه أصدقاؤه وخصومه. إنه الرئيس كما يناديه محازبوه. والنائب ورئيس التيار الوطني الحر كما هي صفته الحالية. ورئيس الحكومة اللبنانية كما هي تسميته السابقة، والمنفي العائد ليشغل الحياة السياسية كما لم يشغلها أحد غيره. إنه العماد ميشال عون مالئ الحياة السياسية وشاغل الخصوم والأصدقاء بحركته السريعة ومواقفه وطموحه وحيويته. تشعر بحضوره السياسي مهما بلغت درجة اختلافك معه أو اتفاقك. إنه الرقم الصعب في المعادلة اللبنانية.

عرفته في التسعينات قبل عودتي إلى الوطن وقبل عودته. تحدث إلى المحرر يوم كانت تصدر في باريس وقد طالما أثارت أحاديثه يومذاك الكثير من الإرباك في الحياة السياسية. لم يتبدل. مازال هوهو. مواقف وآراء. التقيته في منزله بالرابية وكان هذا الحوار الذي دار حول عناوين ثلاثة:

-الوضع الداخلي. .

-والعلاقات مع سوريا. .

-وعلاقات لبنان الخارجية.

من الوضع الداخلي كان مدخل الحديث. سألته: إلى أين. ماذا يحدث. لماذا هو خلاف مع الكثيرين ممن يلتقي معهم في العناوين ويختلف في التفاصيل أو العكس؟

قال: إننا نعيش واقعاً وطنياً مهترئاً، مخترقاً، تتصارع فيه أطرافه على لا شيء وكل شيء، دون أن يدركوا أن ما يتصارعون عليه، إذا استمر الصراع، لن يبقى، لن يعود موجوداً. فالوطن يذوب بين أيدي المتصارعين ويتلاشى وجوداً وخيرات. لم يبق شيء يؤكل. بقيت النفايات.

قلت:إذن. .

قاطعني:إذن، ليتوقف الجميع عن لعبة السلطة، مصالحها ومكاسبها، إذا كانوا، وكنا، يريدون ونريد وطناً لبنانياً لأولادهم، لأولادنا.

وتابع العماد عون ببطء محاولاً انتقاء كلماته: إن مشكلة السياسة في لبنان وجماعاتها هي أنها آنية، يومية، دفاعية ، افتراضية، متشككة، خائفة، ماضوية، غير واثقة من نفسه، تعرف ما تريد اليوم وتجهل ما تريد غداً.

 قلت: ولكنك أصبحت جزءاً من هذا الواقع الذي تتهمه فما هو مشروعك لتجاوزه..؟

قال: مشروعي مستقبليّ، إنه محاولة لبناء لبنان جديد. لبنان وطن اللبنانيين لا وطن الطوائف. لبنان الدولة لا المزرعة. لبنان المستقبل لا الماضي. يجب أن نخرج من الماضي. يجب أن نتجاوزه.

قلت: ولكنك تتوقف كثيراً عند الماضي وتطرح المحاسبة..؟

قال: نعم، ولكن حديثنا عن الماضي ليس هدفاً بحد ذاته. إنه وسيلة لبناء مستقبل أفضل للبنان جديد.

قلت: وهل يعني ذلك أن حديث المستقبل: همومه وحاجاته يتقدم على كل شيء..؟

قال: طبعاً. فالمستقبل وإعادة بناء الدولة المتهالكة المتهاوية يتقدم على كل شيء، ولسوف نتناسى الماضي بشرط واحد وهو أن يكون بناء المستقبل هدفاً مشتركاً حتى إذا وقع فيه ومن حوله الخلاف والاختلاف. ما هو أهم في العمل السياسي هو الغد وليس الأمس، وإذا كنا قد تحدثنا عن الأمس ولوّحنا بالمحاسبة فلأننا كنا وما زلنا نريد بناء لبنان الغد ومن يساعد صادقاً في هذا المشروع الذي هو طموح كل اللبنانيين سوف يغفر له اللبنانيون والتاريخ ما فعل بالأمس، قريبه والبعيد. إن همنا هو بقاء الوطن، وإعادة بناء الوطن. طبعاً لسنا وحدنا، نعرف ذلك، فنحن نعيش وطناً مشتركاً مع آخرين وعلينا أن نحترم وجودهم وحقوقهم بقدر ما نطالبهم باحترام وجودنا وحقوقنا.

قلت مقاطعاً: من تعني بكلمة هم، ومن تعني بكلمة نحن..؟

قال: الطوائف التي ما زالت تتحدث عن أوطانها الطائفية ونريد أن ننتقل معها إلى الوطن اللبناني الواحد الموحد المستقل والحر والسيد، دون عقد، أو استعلاء، أو تهميش.

وتابع العماد عون بهدوء لافت: إننا نحاول في التيار الوطني الحر سواء بالممارسة أم بالمشروع أن نعيد ترتيب بناء العلاقات اللبنانية اللبنانية. نريد وطناً لكل اللبنانيين لا أوطاناً لهذا الفريق أو ذاك. من هنا فإن التيار اتسع ولسوف يتسع أكثر مستقبلاً لكل أبناء الطوائف: منتمين ومشايعين وأعضاء ورجال عمل وقوة سياسية منفتحة، ومشروعاً مستقبلياً يتجاوز الماضي والحاضر لبناء لبنان الذي نريده ويريده اللبنانيون الجدد.

قلت: أعجبني تعبير اللبنانيون الجدد.

قال: إنهم لبنانيو الغد اللاطائفيون، الوطنيون، الصادقون في لبنانيتهم لا يبيعون بها ولا يشترون. إنهم أبناء الأرض والاستقرار لا أبناء القلق والخوف والبحث عن الأمل المفقود. إنهم الجيل الذي يحلم وتنسى سياسة الزواريب الضيقة وجوده وحاجاته وأنه هو المستقبل.

كان العماد عون يتحدث بكثير من الشاعرية وأكثر من الصدق مع النفس مما وجدته في ِأي مرحلة من قبل. قلت له: عودة إلى الحديث الماضي والمستقبل: هل تعني أنك سوف تتجاوز الماضي من أجل المستقبل. . ؟

قال: بشرط أن يتجاوزوا الحاضر بحرتقاته وأن ننطلق معاً لبناء هذا المستقبل. إن العفو مشروط. الماضي حاضر وغائب. حاضر إذا هم أرادوه بالحرتقات، وغائب إذا هم شاركوا بصدق في إعادة بناء هذا المستقبل الذي نتطلع إليه ويتطلع إليه كل اللبنانيين من أبناء كل الطوائف.

قلت لندخل في بعض التفاصيل. ما هو موقفك من التحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحديداً، ثم ما أعقبه من اغتيالات وما قد يعقبه غداً من اغتيالات قادمة ومتوقعة. . ؟

قال: نحن شركاء في البحث عن الحقيقة. إننا متضامنون مع كل المطالبين بها. لا عفو عن مجرم ولا تسامح مع مجرمين. يكفي لبنان ما شهد من قتل.

أضاف: دعني هنا أسأل: في ظل هذه المطاردة الدولية للجناة وقرارات مجلس الأمن هل تعتقد أن الجناة ، مهما علت مراتبهم، سوف يهربون أو يغيبون. . ؟

قلت: لا.

قال: إذن يجب أن لا نريد الواقع توتراً بمتابعة التحقيق وتفاصيله وكأننا وحدنا المعنيون به. لنبق يقظين، هذا أمر طبيعي، ولكن التحقيق قائم ومستمر ولن يتوقف، من هنا اعتقدت دوماً أن توتير الساحة الداخلية بالتفاصيل الصغيرة أو توظيف الحديث عن التحقيق داخلياً في اللعبة السياسية هو موضوع إضافي لا يقدم ولا يؤخر في الجوهر الذي نريده جميعاً. ومع ذلك فأنا أقول صراحة إنني متضامن حتى النهاية مع التحقيق والحقيقة. أريد أيضاً أن أعرفها، أريد أيضاً محاسبة الجناة.

وتابع العماد عون. إنني أسأل: هل نحن الذين ندفع التحقيق الدولي ونحرضه أم أنه يتحرك بدوافعه ومصالحه..؟ طبعاً إنه يتحرك بدوافعه المتعددة وبينها تلك العلاقة المميزة التي أقامها الشهيد مع الآخرين وإذن فإن التحقيق متحرك بذاته، ولن يستطيع أحد إيقافه أو حرفه إلا إذا اقتضت المصالح الدولية ذلك وليس في الجو ما يشير إلى هذا. لنهدأ قليلاً إذن. لنلتفت إلى الداخل بشروط الوحدة الوطنية ومن أجل الحقيقة لا على حسابها.

قلت: ولكن مسيرة التحقيق رافقها اغتيالات أخرى كان آخرها الشهيد الزميل جبران تويني والكل يسأل : من بعد..؟ هذا يعني أن الجريمة مستمرة بالرغم من التحقيق والضغوط الدولية، إن الذين يطالبون بتكثيف التحقيق وإبقاء شعلته يأملون أن يضع الكوابح أمام موجة الإغتيالات، لا سيما وأن ليس ما يؤشر إلى نهايتها أو توقف آلتها عن العمل...

قال : هذا صحيح، وهنا تقع مسؤوليتان : مسؤوليتنا المشتركة في التعاون لإيجاد مناخ وطني غير انقسامي يساعد على تحجيم الخطر، ومسؤولية الحكومة، أي حكومة، ولا أقصد هذه الحكومة فحسب، في توفير الأمن سواء بتدابير سريعة أو بمشاريع مستقبلية ولسوف نقف بجانبها إذا ما وفرتها .

إن أي حكم في أي بلد ومهما كانت ظروفه مسؤول عن الأمن. هذه بديهية. طبعاً ثمة رواسب ولكن ثمة خلل وتقصير. لا أتهم أحداً بعينه. أريد كما كل لبناني أمناً لكل اللبنانيين.

أضاف العماد عون بألم : لو أردت زيارة أي مسؤول لبناني أو رئيس حزب أو تيار أو رجل دين كبير مميز الحضور فستفاجأ بإجراءات أمن هي أقرب إلى إجراءات الحرب. فهل هذا أمر طبيعي. يجب أن نخرج من هذه الحال. يجب أن يكون هنالك برنامج وطني للأمن. الأمن للجميع وليس لفريق. الكل مستهدف، ومن يفعلها اليوم قد يكون الضحية غداً. لا أحد آمن أو فوق الأمن ولا يحتاجه. هذه حقائق لسنا بحاجة لتوثيقها. الواقع يؤكدها. وإذن فإن بناء خطة أمنية تحمي الجميع هو مسؤولية وطنية مشتركة. لتضعها الحكومة وسنؤيدها. طبعاً يسهل تحميل بقايا النظام الأمني المسؤولية، ولكن هذه البقايا تمارس جرائمها اليوم وليس بالأمس. لنبحث عن حلول تتجاوز الإتهام إلى الفعل. ولا تنس أنني أيضاً أعيش الهاجس الأمني ولقد شهدت ذلك في طريقك إلي. ألا يعني هذا أنني معنيّ بالأمن كما غيري، وربما أكثر..؟

قلت: ما دمنا نتحدث عن الأمن، فإن الحديث يجرنا إلى سوريا سواء بما هي متهمة أم بما هي حقيقة سوف تستمر ويخشى الكثيرون أن يستمر التوتر معها والمخاطر الأمنية التي يستولدها.

قال العماد عون بلهجة قاطعة: موضوع سورية ليس فقط الأمن. إنه الاقتصاد، والاجتماع، والعلاقات السياسية. ليس الماضي فحسب ولا الحاضر فحسب. إنه المستقبل أيضاً. من هنا فقد دعوت دوماً إلى التفريق بين هذه العناصر والتعامل معها في الوقت نفسه بوصفها حزمة واحدة، فنحن لا نستطيع فصل العناصر ولا نستطيع دمجها.

قلت: ماذا تقصد تحديداً..؟

العلاقات مع سورية متوترة وهذا أمر مفهوم في إطار الأحداث التي أدت إلى خروجها. ولكن السياسات الوطنية لا تبنى على الحقد والكراهية والحديث عن الجزئيات أو مسؤوليات الماضي. لقد دعوت دائماً لعلاقات مميزة مع سوريا وما زلت أدعو. أعرف أن هنالك شكوكاً ومخاوف ومسؤوليات، ولكن هذه الحقائق العابرة والمؤقتة ومهما بلغت درجة تأثيرها اليومية لا تلغي الحقائق الأخرى الثابتة.

نحن وسوريا جاران جغرافيا وتعتبر سوريا مخرجنا ومدخلنا. غير الأرض السورية هنالك إسرائيل التي لن تكون بديلاً، والبحر الذي لا يحل المشكلة، إذاً، نحن مضطرون بحكم المصالح الوطنية اللبنانية أولاً إلى البحث عن علاقة متوازنة صحية وصحيحة مع سوريا الأرض والمجتمع الدولة. ولئن كانت الظروف الحالية تحول دون ذلك وأستطيع أن أتفهمه، غير أنه مؤقت. إنني أسأل: هل لدينا تصور لسياسة دائمة مع سوريا خارج أزمة اللحظة. ماذا نريد منها، ماذا نستطيع أن نعطيها وماذا لا نستطيع. ماذا تريد هي وماذا لا تريد. لا أحد يملك جواباً محدداً غير العموميات. لا أنفي المسؤولية السورية ولكنني لا أتوقف عندها كما لو أنها نهاية الطريق.

إن سوريا قدر لبنان الجغرافي أكثر مما هو لبنان قدر سوريا. لسوريا حدودها الأخرى مع تركيا والعراق والأردن، إذن فلنبحث معاً عن مشتركات العلاقة ولنضع جانباً ما نختلف عليه ريثما تولد ظروف أو شروط التوافق.

قلت ولكن ماذا عن ..

فقاطعني: أعرف ماذا تريد أن تقول. ماذا عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد والجرائم الأخرى. دعنا نتصارح. إذا كان هنالك قرار دولي يتصل بمصير النظام في سوريا فيجب أن لا نكون أداة. عندهم غيرنا إذا أرادوا. إنهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك من دوننا فليفعلوه إذن وليتركوا لبنان خارج اللعبة لأنها أكبر منه ومن نتائجها. وإذا كان هنالك قرار دولي بالمحافظة على النظام وما يحدث مجرد ضغوط لتليين المواقف أو الترويض فلن يستطيع الواهمون التأثير في هذا القرار لا سلباً ولا إيجاباً. هنا نقول أيضاً: لنخرج من اللعبة فلسنا طرفاً فيها أو يجب أن لا نكون طرفاً. وأما عن جريمة الاغتيال فإن التحقيق الدولي يلاحق الجريمة. ثمة ثلاثة قرارات من مجلس الأمن تتصل بها. لم يحدث هذا قط بتاريخ مجلس الأمن. هذا يعني أن الآخرين يلاحقونها أكثر مما نلاحقها فلنتركهم أمامنا بدلاً من أن نكون أمامهم. صحيح أننا أصحاب المصلحة والقضية وأننا نحن المصابون لأن الرئيس الشهيد هو رئيس وزراء لبنان وكان له دور متقدم في إعادة إعماره فضلاً عن أن علاقاته العربية والخارجية كانت مميزة، ولكن التحقيق الدولي يعرف كل هذا ويتابعه. إنها جريمة كبرى نتابعها بأدواتنا الصغيرة وبأساليب بدائية. بدلاً من أن نتحدث نحن عن المتهمين لنترك للتحقيق الدولي أن يسميهم وسيفعل. . وقد يفعل, وإذن لماذا يحمل البعض السلم بالعرض كما تقول العامة. لا أريد التقليل من أهمية الحدث وخطورة الجريمة ولكنني أريد أن أعرف الحقيقة لا أقل ولا أكثر. أريد محاسبة الجناة لا محاسبة سوريا حتى إذا كانت هنالك مسؤولية ما لسوريين. هنالك متهمون لبنانيون في السجن وآخرون ربما مستقبلا ًفهل يعني ذلك أن لبنان شريك أيضاً في جريمة الاغتيال..؟ إن المسؤولية محددة بفاعلها لا بهويته.

 

وتابع العماد عون حديثه عن العلاقات السورية اللبنانية قال: يوماً ما سينتهي كل هذا الضجيج ليعود الجميع إلى الحقائق الجغرافية والبشرية في علاقات البلدين. يومها سوف تترك هذه المرحلة آثارها وما نريده هو أن تكون أقل تأثيراً على المستقبل. إنني أتحدث هنا عن المستقبل أيضاً كما تحدثت عن المستقبل في لبنان. نريد أن نخرج من الماضي. نريد بناء مستقبل أفضل لأولادنا وشعبنا ولعلاقاته بجواره ولا جوار لنا غير سوريا.

قلت: وماذا عن إسرائيل..؟

قال: هنالك قاعدة وطنية متفق عليها بين الجميع وهو أن لبنان سيكون آخر الموقعين على السلام ولن يستبق الأحداث أو ينفرد.

قلت: في حديث قديم معك قلت إنك مستعد أن تمضي مع سوريا إلى حد الوحدة.. أما زلت عند موقفك هذا..؟

قال: نعم بالشرط الذي سبق وقلته أيضاً، أي بشرط النظام الديمقراطي المتماثل. مع الديمقراطية الحقيقة لا مخاوف، المخاوف هي مع الأنظمة الفردية أو المغلقة أو أنظمة الفكر الواحد والحزب الواحد. أضاف: إن أوروبا تتحد. أزالت حدودها بالرغم من تاريخ طويل من الحروب والعداوات، لماذا لا يكون هذا مستقبل علاقات شعوب المنطقة. طبعاً أوروبا إستطاعت تحقيق ذلك لأن أنظمتها متماثلة في الديمقراطية، ولأن المصالح المشتركة هي التي بنت وتبني هذه العلاقات وهي التي فتحت الحدود وألغت الحواجز ووحدت العملة. أعطني عالماً عربياً متقدماً ديمقراطياً علمانياً أعطك حدوداً مفتوحة وعلاقات مفتوحة. . وربما الوحدة العربية التي يحلمون بها ويتحدثون عنها على الورق ولا يقدمون لها سوى الشعارات. .

قلت: وهل بنينا الديمقراطية هنا في لبنان..؟

قال: إننا نحاول، ونظل على مساؤنا أفضل حالاً من غيرنا. على الأقل ما زلت تستطيع هنا أن تختلف مع الآخر. هل تملك هذا في البلدان العربية الأخرى..؟

قلت لننتقل إلى علاقات لبنان الخارجية. علاقاته بفرنسا وأميركا والغرب عموماً.. كيف تراها..؟

قال: أولا، حين كان الإتحاد السوفياتي موجوداً كان ثمة خيار. اليوم ما هو الخيار؟ إن الغرب وحده هو الذي يتحكم بمستقبل العالم. وإذن فإن علاقة لبنان به وتوافقه معه شرط آخر لاستقراره وبقائه، وفي شروط العلاقات الدولية بالمنطقة اليوم لا أستطيع أن أبني علاقة مجدية خارج أوروبا وفي مقدمتها فرنسا، أو خارج الولايات المتحدة الأمريكية. أعرف أن هنالك الكثير من موضوعات الاختلاف ومن المصالح، ولكن الحقائق تفرض نفسها، ويبقى الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي يملكها لبنان لبناء علاقاته الخارجية على ضوء هذا الواقع والحصول منها على أفضل الممكن سياسياً واقتصادياً. هنا يجب أن لا ننسى أن لا شيء مجاناً. فللعلاقات شروطها وحقوقها المتقابلة وهو ما يجب أن ندركه ونتعامل معه. عبقرية السياسة هي أن تأخذ أكثر مما تعطي، ولكنك لا تستطيع أن تأخذ كل شيء مجاناً فالعلاقات الدولية ليست مؤسسات خيرية. إنها علاقات مصالح.

أضاف: لا تنس أن لبنان مرهق بديونه التي خلفتها ظروف وشروط الحرب وما بعدها، بغض النظر عن أوجه انفاقها والهدر، وهو محتاج للمساعدات الخارجية فهل تستطيع أن تقول لي كيف يمكن معالجة هذا الأمر..؟. كيف يستطيع لبنان معالجة الدين والحاجات المستقبلية دون مقابل..؟

وإذن فإن علاقات لبنان الخارجية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الواقع الدولي من نحو، وحاجات لبنان من نحو آخر. ولا خيارات متاحة على أرض الواقع.

وأنهى العماد عون حديثه بقوله: لنذكر دوماً أن المصالح هي التي تبني العلاقات الصحيحة وليس الشعارات، ولا المشاعر.