إحضرْ حالاً

غسان شربل

جريدة الحياة/27/02/09//

 

أخاطبك لأنك رئيس القوة العظمى الوحيدة على رغم الويلات والإفلاسات. ولأن القرية الكونية في عهدتك. ولأنك مسؤول عما يدور في أحيائها. ولأن انتخابك اطلق موجة عاتية من الأمل. ولأنني لا أريد أن تفلت القرية من يديك.

 

أطالبك أن تحضر حالاً. لا تحاول ان تتذرع بكثرة انشغالاتك. لا تقل إنك غارق في ملفات الأزمة المالية العالمية. ومنشغل بإقناع العملاق الصيني بالمشاركة في خطة الخروج منها. وباعادة ترتيب العلاقات مع بلاد فلاديمير بوتين بعد تنفيذها ما يشبه 7 أيار في جورجيا. لا تقل انك منشغل بالانسحاب من العراق وترميم الوضع في افغانستان. وبالحرب على الارهاب ومنع الانتشار النووي. ولا تحاول ان تقنعني بأن الاحتباس الحراري يستنفد جهدك ووقتك.

 

اخاطبك لأن الخطب جلل ويستدعي تدخلك. ان بلاد الأرز تجتاز محنة فعلية. احضر حالاً برفقة مستشاريك. يجب ان تتدخل. لا تحاول ان تلقي العبء على مجلس الأمن الدولي. جربناه وعرفناه. لا بد من تدخلك الشخصي ولمستك الذكية.احضر حالاً. واذا كان متعذراً ان تقيم في بيروت فليكن مكتبك في حاملة طائرات ترسو قبالتها. وإلى ذلك المكتب يمكنك استدعاء الملفات والأطراف والشهود. لا نكتمك ان معركة الصناديق ذهبت بعيداً. وان اختبار القوة بين عين التينة والسرايا دخل مرحلة اللاعودة. وان دولة المؤسسات دخلت مرحلة الردح و"على السكين يا بطيخ". وان نبيه بري مصرّ على احراق مستقبل فؤاد السنيورة. وان الأزمة تحولت امتحاناً بين المواقع وان كلاماً مذهبياً يقال وراء الستائر المسدلة.

 

اعرف انني ادفعك نحو انفاق لا نهاية لها. وان ملف مجلس الجنوب سيستدرجك الى صندوق المهجرين ومنه الى الهيئة العليا للاغاثة. اعرف انك ستعاين ما تقشعر له الأبدان وستكابد الأهوال في محاولة تعقب الاعتمادات والمساعدات. لكن يجب ان تجد لنا حلاً كي لا نبقى بلا ميزانية الى القرن المقبل.

 

لن اكتم عنك ان الاحتباس الانتخابي في لبنان اشد وطأة عليه من الاحتباس الحراري. ولو حدقت بالمنظار لرأيت لعاب الطامحين يتدفق كالنهر. شعب طموح ومبادر. كل من يملك ربطة عنق يريد ان يكون نائباً. ان 14 آذار مرتبكة بسيل المرشحين. 8 آذار تعاني من الأعراض نفسها. ان اصرار هذا الحشد من الفتيان على ولوج الحياة البرلمانية يتسبب للقوى السياسية والبلد بالآم مبرحة.

 

مهمتك صعبة. الديموقراطية اللبنانية عريقة. لكن هذا الميل المتزايد الى محاورة الرأي الآخر بالعصي والسكاكين يطرح علامات استفهام حول الاستحقاق الانتخابي. يجب ان توفر ضمانات ومن دون جرح مشاعر اللبنانيين الذين اثبتوا وبشكل قاطع معارضتهم أي تدخل أجنبي في شؤونهم الداخلية. لا يحبون تدخل المبعوثين والسفراء والقناصل. شعب لذيذ ورهيب.

 

يمكنك مساعدة الديموقراطية اللبنانية الفتية المهددة بالزفت والجشع والشراهة والرشاوى والمساعدات العينية والغذائية. ولا يخالجني شك في انك ستلقى آذاناً صاغية. فاللبناني لا تقنعه إلا النصيحة الخارجية وهي غالباً منزهة عن الاهواء والمصالح.

 

يمكنك مثلاً استقبال النائب السابق غطاس خوري واقناعه بأن خدمة الوطن ليست مشروطة بالمقعد النيابي. وان الغياب عن المجلس احياناً يساهم في تصحيح التمثيل. وهو في المناسبة رجل دمث ومتعقل. يمكنك استقبال الرئيس امين الجميل واقناعه بأن رقصة التانغو تحتاج الى اثنين. وان الرقص مع الدكتور سمير جعجع يحتاج الى تضحيات متبادلة. يمكنك استقبال النائب وليد جنبلاط واقناعه بترك مقعد للأمير طلال ارسلان من دون اشتراط مقابل.

 

لا تصدق التقارير التي تقول ان العماد ميشال عون أقام منشأة محظورة في الرابية. وانه مستمر في تخصيب التوتر على الساحة اللبنانية ويستورد المزيد من أجهزة الطرد المركزي. وانه مغتبط في الإقامة على محور الممانعة مع احمدي نجاد وتشافيز. انها الضرورات تبيح المحظورات. اعرف الرجل وأحبه. وليسامحني الله.

يجب ان تتفهم وضع العماد عون. يستيقظ باكراً ويخرج الى الشرفة. لكن ما جدوى زقزقة العصافير في وضع صعب. يتذكر ان سيد القصر لم يحتفل بعد بإطفاء الشمعة الأولى. وان الانتظار سيكون طويلاً ومريراً. يتذكر ان البطريرك صفير استيقظ في بكركي وقد يكون يستعد لإطلاق تصريح عن فوائد الكتلة الوسطية وحسنات المستقلين. يتذكر ان جعجع قد يكون استيقظ في معراب ويستعد للرد والتفنيد. وبين الرجلين حب قديم باهظ.

 

استمع الى الجنرال. تفهم هواجسه. يعتقد ان العونية تتعرض لمؤامرة كونية كما قال. يعتقد ان تيار المستقبل سيستقدم في الانتخابات كائنات فضائية للاقتراع ضد النائب نبيل نقولا في المتن. يعتقد ان الكائنات نفسها ستقترع لمنصور البون في كسروان وناظم الخوري في جبيل وضد الياس سكاف في زحلة. يمكنك التعهد بتكليف طائرات "الأواكس" بضمان ردع الكائنات الوافدة من الفضاء. ان الجنرال ليس في افضل أحواله. كن صادقاً معه. انصحه بطرد مستشاريه. اعتقد ان احواله ستتحسن في غيابهم.

 

اترك كل شيء وتفرغ لبلاد الأرز. ان لم تفعل سيسوء الوضع وبعد اتفاق الطائف واتفاق الدوحة سنمضي مستقبلنا في ظل اتفاق مقديشو. إحضر حالاً

 

اضغط هنا لقراءة التص الإنكليزي لهذاه المقال

http://www.10452lccc.com/english08/ghassancharbel27.2.08.htm