مجدداً "14 آذار" في شباك "حزب الله" الإيرانية

بقلم/الياس بجاني*

 

نصاب بالخيبة في كل مرة نتوهم فيها أن ربع "14 آذار" والمسؤولين في لبنان قد تحرروا من عقد التكاذب والنفاق، وتوقفوا عن اجترار مواقف الدونية، وطلقوا بالثلاثة دجل شعارات المقاومة والتحرير والممانعة، واستفاقوا من تفاهة، "كلنا موحدين ضد العدو الصهيوني"، ووحدة اللبنانيين والتفافهم حول المقاومة حررا الجنوب سنة 2000، و"حزب الله" انتصر في حرب عام 2006.

 

هذا ونلعن طيبة قلوبنا وسذاجتنا في كل مرة نغفر لهم قصورهم وأخطاءهم وخطاياهم، لأننا نفاجئ بعد فترات قصيرة ودائماً عند الشدائد أنهم لا يزالون أسرى مفاهيم خنوع وخوف وتقية حقبة الاحتلال السوري البغيضة وعاجزين عن التحرر من فيروس التكاذب والشفاء من علة المزايدات الكلامية.

 

مؤسف فعلاً حال جماعة "14 آذار"، ومعهم كبار المسؤولين في الدولة, فهؤلاء لا يتعلمون من الأخطاء والخطايا، ولا يتحسسون أوجاع ومعاناة الناس، وليس عندهم أي استعداد، ولا حتى مبدئي لاتخاذ مواقف ثابتة وصلبة وواضحة والالتزام بها والدفاع عنها مهما كانت الظروف والمتغيرات والصعاب. الحقيقة الصادمة تقول: إن أكثرهم ذميون بامتياز ومدمنو تنازلات ومساومات، ولذلك لم يبق لهم أو عندهم أي شيء، وكانت آخر خيباتهم المدوية فرط عقد أكثريتهم وخروجهم من الحكم.

 

أُبعِدوا عن الحكم بنتيجة انقلاب "القمصان السود"، الذي زكاه ورجح كفته وليد جنبلاط بتخاذله والخنوع، والميقاتي والصفدي وكرامي بانتهازيتهم والجحود. فلما أمس جماعة "14 آذار" أقلية نيابية اعتذروا عن قصورهم وأعلنوا سلة من الثوابت متعهدين وواعدين الالتزام بها وفي مقدمها عدم القبول بعد الآن بسلاح "حزب الله" تحت أي ظرف واعتباره مسبباً لكل البلاوي والمصائب والفوضى والفلتان الأمني. غفرنا لهم وأعدنا العداد إلى الصفر على قاعدة أن الاعتراف بالخطأ فضيلة.

 

ترى هل أخطأنا مجدداً ووقعنا في الفخ نفسه؟ على ما يبدو "ستعود حليمة لعادتها القديمة"، حسبما جاء في مقال تحذيري لحازم الأمين تحت عنوان، "إنقاذ الخصم"، نشر بتاريخ 27 مايو/ايار الجاري.

 

مقدمة مقالة الأمين: "ثمة مؤشرات غير مطمئنة إلى احتمال أن تُقَدِم "8 آذار" عرضاً لـ "14 آذار" في شأن تشكيل الحكومة بعد فشلها في تشكيلها. ونقول غير مطمئنة لأن العرض إذا ما قُدم سيكون القبول به هدية كبرى لـ "8 آذار" يساعدها على التقاط أنفاس كانت تبددت في سياق فشل داخلي وفي موازاة فشل إقليمي. لكن هذا ليس مهماً إذا ما قورن بخسارة أكبر سيمليها قبول "14 آذار" العرض, ذاك أن العرض الذي تلوح بوادره في أروقة كثيرة سيكون جزءاً من صفقة إقليمية يعلم الله من سيدفع ثمنها. غير مطمئنة لأننا غير واثقين من امتلاك "14 آذار" ما يكفي من مناعة وحصافة تحصنها من مغريات العرض، فالسلطة غرارة على ما يقال، ونحن نعرف أن "14 آذار" ليست حرة في ما تختار وما لا تختار، خصوصاً إذا كان الخيار جزءاً من مساعٍ اقليمية".

 

اضغط هنا لقراءة مقالة حازم الأمين

http://www.10452lccc.com/tempo/hazemamin27.5.11.htm

 

باختصار، حذر الأمين بصوت عال وبشكل مباشر لا لبس فيه من تراجعات وخيبات ومساومات جديدة محتملة لربع "14 آذار" على خلفية صفقة إقليمية وشيكة يعودون من خلالها إلى حكومة شراكة مع "حزب الله" بعد أن فشل هذا الأخير في إكمال انقلابه وعجز عن تشكيل حكومة إيرانية وسورية هجينة من لونه وطينته وقماشته الإلهية، وذلك  بعد مرور ما يزيد عن أربعة أشهر على تكليفه الميقاتي بنتيجة المتغيرات الإقليمية والدولية، وخصوصاً نار الثورة الشعبية في سورية التي تكوي وتشوي النظام.

 

الخوف كل الخوف وهو مبرر على خلفية مواقف "14 آذار" التراجعية السابقة، الخوف من أن تلحس "14 آذار" كل وعودها والثوابت تماما كما كان حالها التراجعي المٌخيب بعد الانتخابات النيابية الأخيرة حيث وبعد أن حصلت على الأكثرية نقضت كل شعاراتها الانتخابية وعادت إلى حكومة كانت السيطرة الكاملة فيها لحزب الله. انتظرنا رداً توضيحياً من "14 آذار" على مقالة الأمين, فلم يأت، وهذا ببساطة أمر مفاده إن لا دخان من دون نار وأن الكارثة واقعة لا محالة.

 

بدورنا نحذر قيادات وأحزاب "14 آذار"، وخصوصاً المسيحيين منهم من مغبة الوقوع في الخطأ المميت مجدداً والدخول في حكومة تُعيد تشريع "حزب الله" بدويلته وسلاحه وهيمنته واستكباره وطرقه العسكرية (المطار والمرفأ والحدود مع سورية)، علماً أن هرطقة التحفظ على بعض البنود من البيان الوزاري ومنها "المقاومة والدولة والشعب"، كما فعلوا المرة الماضية لن تنطلي مجدداً على أحد وبالتالي عليهم أن يحددوا مواقفهم علنية وجهاراً ومن دون مواربة وبترفع عن "شطة الريلة" (سيل اللعاب) لدخول الحكومة مهما كانت الأثمان والأكلاف. لا، الشعب لن يسامح ويغفر مرة أخرى، وأي خطوة من هذا القبيل ستكون انتحاراً ذاتياً لمن يقدم عليها.

 

نختم بما جاء في رسالة القديس بولس الرسول الأولى لأهل كورنتوس (10/21) فلعل يتعظ من يعنيهم الأمر ويخافوا الله في مواقفهم والممارسات: "لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشيطان، ولا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة الشيطان". ومن عنده أذنان صاغيتان فليسمع.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

 phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 30 أيار/2011